(وَلَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ لَمْ يُجِزْهُ) وَمَعْنَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ لِأَمَةٍ قَدْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ:
عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» يُرِيدُ فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَ هُوَ عِنْدَ ذَلِكَ الشِّرَاءِ، وَهَذَا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي إثْبَاتِ عِتْقِهِ إلَى إعْتَاقٍ زَائِدٍ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَرَابَةَ ظَاهِرَةُ الْأَثَرِ فِيهِ شَرْعًا، وَقَدْ رَتَّبَ عِتْقَهُ عَلَى شِرَائِهِ بِالْفَاءِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى فَيُعْتِقَ هُوَ فَهُوَ مِثْلُ سَقَاهُ فَأَرْوَاهُ، وَالتَّرْتِيبُ بِالْفَاءِ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ عَلَى مَا عُرِفَ مِثْلُ سَهَا فَسَجَدَ وَزَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ كَمَا بَيَّنَّا فِي وَجْهِ قَوْلِ زُفَرَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمِلْكَ أَيْضًا كَذَلِكَ بِالنَّصِّ مَعَ أَنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى عَيْنِ حِكْمَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ تَحْصِيلًا لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ الْقَطِيعَةِ الْحَاصِلَةِ بِمِلْكِهِ إيَّاهُ كَالْبَهَائِمِ وَالْأَمْتِعَةِ وَلِمَصْلَحَةِ الصِّلَةِ، وَهَذِهِ عَيْنُ حِكْمَةِ الْقَرَابَةِ الَّتِي بِهَا كَانَتْ عِلَّةُ الْعِتْقِ فَوَجَبَ كَوْنُ مَجْمُوعِ الْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ عِلَّةُ الْعِتْقِ وَلِذَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا، وَاشْتُهِرَتْ عِبَارَتُنَا الْقَائِلَةُ شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ غَيْرَ أَنَّ الشِّرَاءَ عِلَّةُ الْعِلَّةِ، أَيْ عِلَّةُ جُزْءِ الْعِلَّةِ.
وَلَمَّا كَانَ الشِّرَاءُ الِاخْتِيَارِيُّ هُوَ الْجُزْءُ الْأَخِيرُ مِنْ الْعِلَّةِ بِخِلَافِ الْقَرَابَةِ أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَيْهِ وَلَزِمَتْ النِّيَّةُ عِنْدَهُ، فَإِذَا نَوَى عِنْدَ الشِّرَاءِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ صَحَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا مَلَكَ الْأَبَ وَغَيْرَهُ بِالْإِرْثِ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِيهِ بِلَا اخْتِيَارٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ النِّيَّةُ فِيهِ فَلَا يُعْتَقُ عَنْ كَفَّارَتِهِ إذَا نَوَاهُ لِأَنَّهَا نِيَّةٌ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ الْعِتْقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُهِبَ لَهُ أَوْ أُوصِيَ لَهُ بِهِ أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَنَوَى عِنْدَ الْقَبُولِ أَنْ يُعْتِقَ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِسَبْقِهَا مُخْتَارًا فِي السَّبَبِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّرْتِيبِ ظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ الْعِتْقُ مُسْتَحَقٌّ بِالْقَرَابَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ تَمَامِ الْعِلَّةِ.
وَأَمَّا الْمُنَافَاةُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي قَوْلِهِمْ الشِّرَاءُ يُوجِبُ الْمِلْكَ وَالْإِعْتَاقُ إزَالَتُهُ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ فِي قَوْلِنَا شِرَاءُ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ الْمِلْكَ فِي الْقَرِيبِ وَمِلْكُ الْقَرِيبِ عِلَّةُ الْعِتْقِ فَالْإِضَافَةُ إلَيْهِ إضَافَةٌ إلَى عِلَّةٍ بَعِيدَةٍ، وَالْمُنَافَاةُ إنَّمَا تَثْبُتُ لَوْ كَانَ إزَالَةُ الْمِلْكِ نَفْسُ مُوجِبِ الشِّرَاءِ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ؛ وَكَانَ الْأَلْيَقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَصْلُ الْكَفَّارَةِ
(قَوْلُهُ وَلَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ لَمْ تُجِزْهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ) وَإِنْ نَوَى عِنْدَ الشِّرَاءِ كَوْنَ عِتْقِهَا عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ، قَالُوا: وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute