وَمَا نَرْوِيهِ قَالَ.
(وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ وَتَقْدِيمُهُ فِي الشِّتَاءِ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِرِوَايَةِ أَنَسٍ ﵁ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ بَكَّرَ بِالظُّهْرِ، وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ أَبْرَدَ بِهَا» (وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ النَّوَافِلِ لِكَرَاهَتِهَا بَعْدَهُ،
التَّغْلِيسِ الْمَرْوِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ «كَانَ ﷺ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَتَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مُتَلَفِّعَاتٌ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَرْجِعْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ مَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ» وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ فِي الصَّحِيحَيْنِ ظَاهِرٌ فِيمَ ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى صَلَاةً إلَّا لِمِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ: صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ» وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا الَّذِي اعْتَادَ الْأَدَاءَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَلَسٌ يَوْمَئِذٍ لِيَمْتَدَّ وَقْتُ الْوُقُوفِ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «قَبْلَ مِيقَاتِهَا بِغَلَسٍ» فَأَفَادَ أَنَّ الْمُعْتَادَ كَانَ غَيْرَ التَّغْلِيسِ، إلَّا أَنَّهُ يَبْعُدُ النَّسْخُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي سَابِقَةَ وُجُودِ الْمَنْسُوخِ.
وَقَوْلُهُ مَا رَأَيْت يُفِيدُ أَنْ لَا سَابِقَةَ لَهُ فَالْأَوْلَى حَمْلُ التَّغْلِيسِ عَلَى غَلَسٍ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ حُجْرَتَهَا ﵂ كَانَتْ فِيهِ وَكَانَ سَقْفُهُ عَرِيشًا مُقَارِبًا وَنَحْنُ نُشَاهِدُ الْآنَ أَنَّهُ يُظَنُّ قِيَامُ الْغَلَسِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ وَأَنَّ صَحْنَهُ قَدْ انْتَشَرَ فِيهِ ضَوْءُ الْفَجْرِ وَهُوَ الْإِسْفَارُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ هَذَا الِاعْتِبَارُ لِمَا وَجَبَ مِنْ تَرْجِيحِ رِوَايَةِ الرِّجَالِ خُصُوصًا مِثْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّ الْحَالَ أَكْشَفُ لَهُمْ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الدُّخُولُ فِي الْفَجْرِ فِي وَقْتِ التَّغْلِيسِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، لَكِنَّ الَّذِي ذَكَرَ الْأَصْحَابُ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَبْدَأَ بِالْإِسْفَارِ وَيَخْتِمَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُفِيدُ اللَّفْظُ، فَإِنَّ الْإِسْفَارَ بِالْفَجْرِ إيقَاعُهَا فِيهِ، وَهِيَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِهَا فَيَلْزَمُ إدْخَالُ مَجْمُوعِهَا فِيهِ، قَالُوا: وَحَدُّهُ أَنْ يَبْدَأَ فِي وَقْتٍ يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ أَدَائِهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مَا لَوْ ظَهَرَ لَهُ فَسَادُ صَلَاتِهِ أَعَادَهَا بِقِرَاءَةٍ مَسْنُونَةٍ مُرَتَّلَةٍ مَا بَيْنَ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ آيَةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا يَظُنُّ أَنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّغْلِيسَ إلَّا مَنْ لَمْ يَضْبِطْ ذَلِكَ الْوَقْتَ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفَصْلِ بَيْنَ أَذَانِ الْفَجْرِ وَالصَّلَاةِ قَالَ: يُؤَذِّنُ ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَمْكُثُ قَدْرَ قِرَاءَةِ عِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ يَثُوبُ ثُمَّ يَمْكُثُ قَدْرَ عِشْرِينَ آيَةً ثُمَّ يُقِيمُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَشْرَعَ وَأَطْرَافُ الْغَلَسِ قَائِمَةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهِ إسْفَارًا مَا، وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ مَنْ كَانَ مِنْ عَزْمِهِ التَّطْوِيلُ بَدَأَ بِغَلَسٍ وَمَنْ لَا أَسْفَرَ، وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي سُنِّيَّةِ التَّغْلِيسِ بِفَجْرِ مُزْدَلِفَةٍ.
(قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ» (وَلِرِوَايَةِ أَنَسٍ إلَخْ) فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ «خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ صَلَّى بِنَا أَمِيرُنَا الْجُمُعَةَ ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي الظُّهْرَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ». وَالْمُرَادُ الظُّهْرُ لِأَنَّهُ جَوَابُ السُّؤَالِ عَنْهَا (قَوْلُهُ وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ) حَاصِلُهُ أَنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى تَغَيُّرِ الْقُرْصِ مَكْرُوهٌ، وَيُسْتَحَبُّ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute