. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
يَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ وَلَا يَفْعَلَ نُسُكًا، إمَّا ابْتِدَاءُ مَعْصِيَةٍ وَإِمَّا بِأَنْ يَقْصِدَ مَكَانًا فِي الْحِلِّ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ غَيْرُ، فَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِ صَارَ حُكْمُهُ حُكْمَ أَهْلِهِ، وَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَالْبَيْتَ بِلَا إحْرَامٍ، وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ وَيُوجِبُ الْمَشْيَ إلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى فَيَلْزَمُهُ إذَا خَرَجَ أَنْ يَعُودَ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ فَقَالَ، وَاَللَّهِ لَأَدْخُلَنَّ هَذَا الْبَيْتَ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَلَا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ سَبَبُ الْإِحْرَامِ صَوْنًا لَهُ عَنْ اللَّغْوِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَازِمًا لَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَقْصِدَ بِسَيْرِهِ مَكَانًا دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ غَيْرُ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا بِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ وَهُوَ أَنَّ الذَّهَابَ إلَى هُنَاكَ يَكُونُ لِقَصْدِ الْإِحْرَامِ لِمَا عُرِفَ مِنْ إلْغَاءِ الْأَلْفَاظِ وَهِيَ مَا إذَا نَذَرَ الذَّهَابَ إلَى مَكَّةَ كَأَنْ قَالَ: عَلَيَّ الذَّهَابُ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ الذَّهَابُ إلَى مَكَّةَ أَوْ السَّفَرُ إلَيْهَا أَوْ الرُّكُوبُ إلَيْهَا أَوْ الْمَسِيرُ أَوْ الْمُضِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ فِيهَا صَوْنًا عَنْ اللَّغْوِ، بَلْ لِأَنَّهُ تُعُورِفَ إيجَابُ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ بِهِ فَصَارَ فِيهِ مَجَازًا لُغَوِيًّا وَحَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، مِثْلُ مَا لَوْ قَالَ: عَلَيَّ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنْ لَا يَجِبَ بِهَذَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ مَا لَيْسَ بِقُرْبَةٍ وَاجِبَةٍ وَهُوَ الْمَشْيُ وَلَا مَقْصُودَةٍ فِي الْأَصْلِ. وَلَوْ قِيلَ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ فَإِنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَدِرَ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ مَاشِيًا، أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ لِلُزُومِ النَّذْرِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ بَعْدَ كَوْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ النَّذْرُ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَالْمَشْيِ الْمَذْكُورِ، وَكَذَا السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ كَذَلِكَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ مَرْكَبًا وَيَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ الطَّوَافَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ لَا شَرْطَ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ مِنْ جِنْسِ الْمَشْيِ إلَى مَكَّةَ. وَأُورِدَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الصَّوْمَ وَمِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ إيجَابَ الْمَشْرُوطِ إيجَابُ الشَّرْطِ، وَلَا خَفَاءَ فِي بُعْدِهِ فَإِنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ فَرْعُ وُجُوبِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي صِحَّةِ وُجُوبِ الْمَتْبُوعِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَى لُزُومِهِ بِلُزُومِهِ وَلُزُومُ الشَّرْطِ فَرْعُ لُزُومِ الْمَشْرُوطِ، وَإِنْ اسْتَدَلَّ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ النَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ ﵁ الِاعْتِكَافُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَلْ يَصْرِفُونَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُمْ وَالشَّافِعِيَّ لَا يُصَحِّحُونَ نَذْرَ الْكَافِرِ. ثُمَّ قَدْ يُقَالُ تَحَقُّقُ الْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِ الِاعْتِكَافِ بِالنَّذْرِ يُوجِبُ إهْدَارَ اشْتِرَاطِ وُجُودِ وَاجِبٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَإِذَا تَعَارَفُوهُ لِلْإِيجَابِ صَارَ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ زِيَارَةُ الْبَيْتِ مَاشِيًا فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِذَلِكَ، وَلَوْ أَرَادَ بِبَيْتِ اللَّهِ بَعْضَ الْمَسَاجِدِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَوْ مَدِينَةِ الرَّسُولِ ﷺ شَيْءٌ. وَأُورِدَ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ حِجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْزَمَهُ الْمَشْيُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْحَجُّ لَا يَلْزَمُهُ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ عَلَى حِجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مَاشِيًا لِأَنَّ الْمَشْيَ لَمْ يُهْدَرْ اعْتِبَارُهُ شَرْعًا، فَإِنَّهُ رُوِيَ «عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَسَنَدُهُ حُجَّةٌ، وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ «لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ» فَمَحْمُولٌ إمَّا عَلَى ذِكْرِ بَعْضِ الْمَرْوِيِّ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ: يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ الْإِشْكَالِ جَوَازُ رُكُوبِهَا وَلَوْ أَهْدَتْ؛ كَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّوْمَ بِصِفَةِ التَّتَابُعِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ وَيَتَصَدَّقَ، بَلْ لَوْ فَرَّقَ لَزِمَ اسْتِئْنَافُهُ فَاقْتَصَرَ الرَّاوِي عَلَى ذَلِكَ لِيُفِيدَ دَفْعَ ذَلِكَ، وَعُرِفَ لُزُومُ الْفِدْيَةِ مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْجَهْدِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ «وَإِنَّهَا لَا تُطِيقُ ذَلِكَ» ثُمَّ يُعْرَفُ لُزُومُ الْفِدْيَةِ مِنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا بَقِيَّتَهُ هُنَاكَ ذَيْلًا طَوِيلًا وَفُرُوعًا جَمَّةً، وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ بَيْتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute