(وَمَنْ قَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ، وَقَالَ: حَجَجْتُ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ ضَحَّى الْعَامَ بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ عَبْدُهُ)، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ
لَا مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ فِيهِ مِنْ الْمِيقَاتِ: يَعْنِي فَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُحْرِمْ مِنْهُ وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْهُ أَوْ مِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ فِيهِ مِنْ الْمِيقَاتِ، أَمَّا لَوْ أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِهِ لَزِمَهُ الْمَشْيُ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أُخْتِ عُقْبَةَ قَالَ «وَلْتُهْدِ بَدَنَةً» لَكِنَّهُمْ عَمِلُوا بِإِطْلَاقِ الْهَدْيِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ «عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خُطْبَةً إلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ، وَقَالَ: إنَّ مِنْ الْمُثْلَةِ أَنْ يَنْذِرَ الرَّجُلُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَلْيُهْدِ هَدْيًا وَلْيَرْكَبْ» وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، لَكِنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ إذَا كَانَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ وَاجِبٌ فَتَجِبُ الْبَدَنَةُ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ ذَكَرَ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ عَلَى الْمَشْيِ قَالَ: يَمْشِي، فَإِنْ عَجَزَ رَكِبَ وَأَهْدَى بَدَنَةً. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الْبَيْتِ قَالَ: يَمْشِي، فَإِذَا أَعْيَا رَكِبَ وَأَهْدَى جَزُورًا. وَأُخْرِجَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ. وَأَمَّا وُرُودُ الْبَدَنَةِ فِي خُصُوصِ حَدِيثِ أُخْتِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَسْنَدَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ أُخْتَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً، فَسَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْهَا فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ ﷿ غَنِيٌّ عَنْ نَذْرِ أُخْتِكَ، لِتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً» وَأَمَّا إذَا كَانَ النَّاذِرُ بِمَكَّةَ وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ الْأَحَدَ الَّذِي لَزِمَهُ حَجًّا فَإِنَّهُ يُحْرِمُ مِنْ الْحَرَمِ وَيَخْرُجُ إلَى عَرَفَاتٍ مَاشِيًا إلَى أَنْ يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ كَغَيْرِهِ، وَإِنْ أَرَادَ إسْقَاطَهُ بِعُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحِلِّ فَيُحْرِمَ مِنْهُ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَشْيُ فِي ذَهَابِهِ إلَى الْحِلِّ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْهُ مُحْرِمًا. وَالْوَجْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ مِنْ بَلْدَتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مُحْرِمًا مِنْهَا بَلْ هُوَ ذَاهِبٌ إلَى مَحِلِّ الْإِحْرَامِ لِيُحْرِمَ مِنْهُ: أَعْنِي الْمَوَاقِيتَ فِي الْأَصَحِّ لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ أَنَّ بَغْدَادِيًّا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَعَلَيَّ أَنْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَلَقِيَهُ بِالْكُوفَةِ فَكَلَّمَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَمْشِيَ مِنْ بَغْدَادَ. وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ السَّفَرُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَعَ إخْوَانِهِ، وَمِثْلُهُ الشَّدُّ وَالْهَرْوَلَةُ وَالسَّعْيُ إلَى مَكَّةَ، وَكَذَا عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ أَوْ مِيزَابِهَا أَوْ أُسْطُوَانَةِ الْبَيْتِ أَوْ الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ إلَى عَرَفَاتٍ وَمُزْدَلِفَةٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْحَرَمِ أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يَلْزَمُهُ أَحَدُ النُّسُكَيْنِ. وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ تُعُورِفَ بَعْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إيجَابُ النُّسُكِ بِهِمَا فَقَالَا بِهِ كَمَا تُعُورِفَ بِالْمَشْيِ إلَى الْكَعْبَةِ وَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ، وَإِلَّا فَالْوَجْهُ الَّذِي ذُكِرَ لَهُمَا مُتَضَائِلٌ وَهُوَ أَنَّ الْحَرَمَ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ يَشْتَمِلُ عَلَى الْكَعْبَةِ فَذِكْرُ الْمُشْتَمِلِ ذِكْرٌ لِلْمَشْمُولِ وَهُوَ الْكَعْبَةُ، وَلَوْ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ لِلَّهِ عَلَيَّ الْمَشْيُ إلَى الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ، فَكَذَا ذِكْرُ الْمُشْتَمِلِ لِأَنَّ إيجَابَ اللَّفْظِ لِتَعَارُفِ عَيْنِهِ فِيهِ، وَلَيْسَ عَيْنُ الْمَشْيِ إلَى الْحَرَمِ عَيْنِهِ وَهُوَ وَجْهُ أَبِي حَنِيفَةَ
(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ فَقَالَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ: حَجَجْتُ وَأَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ ضَحَّى الْعَامَ بِالْكُوفَةِ لَمْ يُعْتَقْ عَبْدُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute