(وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَا يَحْنَثُ مَا لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ.
فَيَجِبُ أَنْ لَا يَحْنَثَ بِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَعْدَةَ مَوْجُودَةٌ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ السَّجْدَةِ، وَهَذَا أَوَّلًا مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَقُّفِ الْحِنْثِ عَلَى الرَّفْعِ مِنْهَا وَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي ذَلِكَ. وَمَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ. وَالْأَوْجَهُ أَنْ لَا يَتَوَقَّفَ لِتَمَامِ حَقِيقَةِ السُّجُودِ بِوَضْعِ بَعْضِ الْوَجْهِ عَلَى الْأَرْضِ. ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ فَلَيْسَتْ تِلْكَ الْقَعْدَةُ هِيَ الرُّكْنَ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَرْكَانَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ الْخَمْسَةُ، وَالْقَعْدَةُ رُكْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا تَحَرَّرَ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِلْخَتْمِ فَلَا تُعْتَبَرُ رُكْنًا فِي حَقِّ الْحِنْثِ (قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً لَمْ يَحْنَثْ مَا لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهَا الصَّلَاةُ الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا) عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فِي لَا يَصُومُ صَوْمًا (وَأَقَلُّ الْمُعْتَبَرِ شَرْعًا صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْبُتَيْرَاءِ) نَهْيًا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لَوْ فُعِلَتْ. وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ صَلَّيْتَ رَكْعَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ تَكَلَّمَ لَا يُعْتَقُ. وَلَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عَتَقَ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَا صَلَّى رَكْعَةً لِأَنَّهَا بُتَيْرَاءُ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: تَبَيَّنَ بِهَذِهِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ: يَعْنِي وَحْدَهُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي رَكْعَةً وَصَلَاةُ الرَّكْعَةِ حَقِيقَةً دُونَ مُجَرَّدِ الصُّورَةِ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِضَمِّ أُخْرَى إلَيْهَا. وَالْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ: حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَلَمْ يَقُلْ رَكْعَةً، وَالْبُتَيْرَاءُ تَصْغِيرُ الْبَتْرَاءِ تَأْنِيثُ الْأَبْتَرِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَقْطُوعُ الذَّنَبِ ثُمَّ صَارَ يُقَالُ لِلنَّاقِصِ. وَفِي الْبَيْعِ يَحْنَثُ بِالْفَاسِدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ وَالْفَرْقُ غَيْرُ خَافٍ. ثُمَّ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً فَهَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قُعُودِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى مُجَرَّدِ الْفِعْلِ وَهُوَ إذَا حَلَفَ لَا يُصَلِّي صَلَاةً يَحْنَثُ قَبْلَ الْقَعْدَةِ لَمَا ذَكَرْته، وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى الْفَرْضِ كَصَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ حَتَّى يَقْعُدَ. [فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يَؤُمُّ أَحَدًا فَصَلَّى فَجَاءَ نَاسٌ وَاقْتَدَوْا بِهِ فَقَالَ نَوَيْت أَنْ لَا أَؤُمَّ أَحَدًا صُدِّقَ دِيَانَةً لَا قَضَاءً إلَّا إنْ أَشْهَدَ أَنِّي إنَّمَا أُصَلِّي لِنَفْسِي، وَكَذَا لَوْ صَلَّى هَذَا الْحَالِفُ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ وَنَوَى أَنْ يُصَلِّيَ لِنَفْسِهِ الْجُمُعَةَ جَازَتْ الْجُمُعَةُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَقَدْ وُجِدَ وَحَنِثَ قَضَاءً لَا دِيَانَةً. وَيَنْبَغِي إذَا أَمَّهُمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَنْ يَكُونَ كَالْأَوَّلِ إنْ أَشْهَدَ صُدِّقَ فِيهِمَا وَإِلَّا فَفِي الدِّيَانَةِ. وَلَوْ قَالَ مَا صَلَّيْت الْيَوْمَ صَلَاةً يُرِيدُ فِي جَمَاعَةٍ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ. وَلَوْ قَالَ مَا صَلَّيْت الْيَوْمَ الظُّهْرَ يُرِيدُ فِي جَمَاعَةٍ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تَسَعُهُ النِّيَّةُ فِي هَذَا، بِخِلَافِ مَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ ثُمَّ قَالَهُ بِمَعْنَى ظُهْرِ مُقِيمٍ وَسِعَتْهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي مَا أَخَّرْت صَلَاةً عَنْ وَقْتِهَا وَقَدْ نَامَ فَقَضَاهَا، اخْتَلَفُوا بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَقْتَ التَّذَكُّرِ وَقْتُهَا بِالْحَدِيثِ فَيَصِحُّ أَوَّلًا بَلْ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَقْتِ الْأَصْلِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute