وَذَلِكَ سَبَبٌ لِمِلْكِهِ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ النَّذْرِ لِأَنَّ الْقُطْنَ لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا.
سَبَبٌ عَادِيٌّ لِمِلْكِهِ الْمَغْزُولَ بِقَوْلِهِ (وَلِهَذَا يَحْنَثُ إذَا غَزَلَتْ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ وَقْتَ النَّذْرِ) بِالِاتِّفَاقِ (مَعَ أَنَّ الْقُطْنَ غَيْرُ مَذْكُورٍ) وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ ذِكْرِ الْغَزْلِ ذِكْرَ سَبَبِ الْمِلْكِ فِي الْمَغْزُولِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ سَبَبًا كَوْنُهُ كُلَّمَا وَقَعَ ثَبَتَ الْحُكْمُ عَنْهُ، وَكَوْنُ الْغَزْلِ فِي الْعَادَةِ يَكُونُ مِنْ قُطْنٍ مَمْلُوكٍ لَهُ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ كُلَّمَا وَقَعَ ثَبَتَ عِنْدَهُ مِلْكُ الزَّوْجِ فِي الْمَغْزُولِ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَسْأَلَةَ التَّسَرِّي حَيْثُ لَا يَحْنَثُ فِيهَا بِالشِّرَاءِ بَعْدَ الْحَلِفِ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى التَّسَرِّي لَيْسَتْ إضَافَةً إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُثْبِتُ عِنْدَ التَّسَرِّي أَثَرًا لَهُ بَلْ هُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهِ، وَبِهَذَا بَطَلَ قَوْلُ مَنْ رَجَّحَ قَوْلَ زُفَرَ فِي مَسْأَلَةِ التَّسَرِّي هَذَا، وَالْوَاجِبُ فِي دِيَارِنَا أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَغْزِلُ إلَّا مِنْ كَتَّانِ نَفْسِهَا أَوْ قُطْنِهَا فَلَيْسَ الْغَزْلُ سَبَبًا لِمِلْكِهِ لِلْمَغْزُولِ عَادَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِيهِ.
[وَهَذِهِ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِاللُّبْسِ] حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ فَلَمَّا بَلَغَ الذَّيْلُ السُّرَّةَ تَذَكَّرَ فَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ وَرِجْلَاهُ بَعْدُ فِي اللِّحَافِ حَنِثَ. حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا لَا يَحْنَثُ بِلُبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ وَلَمْ يَقُلْ ثَوْبًا حَنِثَ وَالسَّرَاوِيلُ ثَوْبٌ يَحْنَثُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الثَّوْبَ فَاتَّخَذَ مِنْهُ قَلَنْسُوَةً حَنِثَ.
وَلَوْ ائْتَزَرَ أَوْ ارْتَدَى حَنِثَ سَوَاءٌ الْقَمِيصُ وَغَيْرُهُ، بِخِلَافِ لَا أَلْبَسُ قَمِيصًا لَا يَحْنَثُ إذَا ائْتَزَرَ بِهِ أَوْ ارْتَدَى فَيَنْعَقِدُ عَلَى اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ فَائْتَزَرَ بِهِ أَوْ تَعَمَّمَ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ قَالَ هَذَا السَّرَاوِيلَ فَائْتَزَرَ بِهِ أَوْ تَعَمَّمَ حَنِثَ، وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى عَاتِقِهِ يُرِيدُ حَمْلَهُ لَا يَحْنَثُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ الْقَبَاءَ أَوْ قَبَاءً وَلَمْ يُعَيِّنْ فَوَضَعَهُ عَلَى كَتِفِهِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَفِي " هَذَا الْقَبَاءِ " يَحْنَثُ لِأَنَّ فِي الْمُنْكَرِ يُعْتَبَرُ اللُّبْسُ الْمُعْتَادُ، وَفِي الْمُعَيَّنِ الْوَصْفِ لَغْوٌ فَلَا يُعْتَبَرُ اللُّبْسُ الْمُعْتَادُ بَلْ مُطْلَقُ اللُّبْسِ. وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَاخْتَارَ الْإِمَامُ الْوَالِدُ الْحِنْثَ فِي الْمُنْكَرِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يُلْبَسُ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَلَوْ وَضْع الْقَبَاءَ عَلَى اللِّحَافِ وَنَامَ تَحْتَهُ قِيلَ لَا يَحْنَثُ، وَقِيلَ: بَلْ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْقَبَاءَ فَوْقَ الدِّثَارِ حَالَةَ النَّوْمِ يَحْنَثُ، وَالْمُرَادُ بِالدِّثَارِ مَا يُلْبَسُ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَهُوَ الشِّعَارُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﷺ «الْأَنْصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ» وَفِي ثَوْبِ فُلَانٍ فَوَضَعَ قَبَاءَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ يَحْنَثُ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ لَابِسٌ لَكِنْ لَبِسَ الرِّدَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا ذَكَرَ لَفْظَ الْقَبَاءِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ الْمُخْتَارُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُلْبَسٌ لَا لَابِسٌ، فَهُوَ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا حَلَفَ لَا يُدْخِلُ فَحُمِلَ وَأُدْخِلَ، فَلَوْ انْتَبَهَ فَأَلْقَاهُ كَمَا انْتَبَهَ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ تَرَكَ يَحْنَثُ عَلِمَ أَنَّهُ الثَّوْبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ أَوْ لَا، وَكَذَا لَوْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفًّا فَأَدْخَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ لَا يَحْنَثُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ لَا يَحْنَثُ بِالزِّيقِ وَالزِّرِّ وَالْعُرْوَةِ، وَلَوْ لَبِسَ مِنْ غَزْلِهَا وَغَزْلِ غَيْرِهَا حَنِثَ. أَمَّا لَوْ قَالَ: ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ رُقْعَةٌ مِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا حَنِثَ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِيهِ وَصْلَةٌ مِنْ كُمِّهِ أَوْ دِخْرِيصِهِ أَوْ عَلِمَ مِنْ غَزْلِ غَيْرِهَا، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ مَا خِيطَ مِنْهُ أَوْ مَا فِيهِ سِلْكَةٌ مِنْهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ لَبِسَ تِكَّةً مِنْ غَزْلِهَا يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ نَسْجِ فُلَانٍ فَلَبِسَ ثَوْبًا نَسَجَهُ غِلْمَانُهُ وَفُلَانٌ هُوَ الْمُتَقَبِّلُ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ بِيَدِهِ لَا يَحْنَثُ وَإِلَّا حَنِثَ. لَا يَلْبَسُ حَرِيرًا أَوْ إبْرَيْسَمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute