وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا لِأَنَّ التَّحَلِّيَ بِهِ عَلَى الِانْفِرَادِ مُعْتَادٌ
(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ فَنَامَ عَلَيْهِ وَفَوْقَهُ قِرَامٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ تَبَعُ الْفِرَاشِ فَيُعَدُّ نَائِمًا عَلَيْهِ (وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ) لِأَنَّ مِثْلَ الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا لَهُ فَقَطَعَ النِّسْبَةَ عَنْ الْأَوَّلِ
(وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ لِبَاسُهُ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَهُ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ حَنِثَ) لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَيْهِ، وَالْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ فِي الْعَادَةِ كَذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْأَوَّلِ فَقَطَعَ النِّسْبَةَ عَنْهُ.
فِي زَمَانِهِ كَانَ لَا يُتَحَلَّى بِهِ إلَّا مُرَصَّعًا، وَفِي عُرْفِهِمَا تَحَلَّوْا بِالسَّاذَجِ (وَيُفْتَى بِقَوْلِهِمَا) لِأَنَّ الْعُرْفَ الْقَائِمَ أَنَّهُ يُتَحَلَّى بِهِ سَاذَجًا كَمَا يُتَحَلَّى بِهِ مُرَصَّعًا
(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ) أَيْ فِرَاشٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْفِرَاشِ، وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَإِنْ جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَنَامَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ كَانَ نَكِرَةً بِأَنْ حَلَفَ لَا يَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ حَنِثَ بِوَضْعِ الْفِرَاشِ عَلَى الْفِرَاشِ لِأَنَّهُ نَامَ عَلَى فِرَاشٍ نَكِرَةٍ، ثُمَّ إذَا نَامَ عَلَيْهِ (وَفَوْقَهُ قِرَامٌ حَنِثَ) لِأَنَّ الْقِرَامَ تَبَعٌ لِلْفِرَاشِ لِأَنَّهُ سَاتِرٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ فَوْقَهُ كَاَلَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِنَا الْمُلَى: أَيْ الْمِلَاءَةُ الْمَجْعُولَةُ فَوْقَ الطَّرَّاحَةِ، وَإِذَا كَانَ تَبَعًا لَهُ لَمْ يُعْتَبَرْ وَصَارَ كَأَنَّهُ نَامَ عَلَى نَفْسِ الْفِرَاشِ، بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ فَوْقَهُ فِرَاشًا آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إذَا نَامَ عَلَى الْأَعْلَى لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِمِثْلِهِ فَتَنْقَطِعُ النِّسْبَةُ إلَى الْأَسْفَلِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى نَائِمًا عَلَى فِرَاشَيْنِ فَلَمْ تَنْقَطِعْ النِّسْبَةُ وَلَمْ يُصَرِّحْ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَوْنَ الشَّيْءِ لَيْسَ تَبَعًا لِمِثْلِهِ وَلَا يَضُرُّنَا نَفْيُهُ فِي الْفِرَاشَيْنِ بَلْ كُلُّ أَصْلٍ بِنَفْسِهِ وَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ بِتَعَارُفِ قَوْلِنَا نَامَ عَلَى فِرَاشَيْنِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْأَعْلَى
(قَوْلُهُ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ) عُرْفًا فَاعْتَبَرَ الْعُرْفُ كُلًّا مِنْ الْأَرْضِ وَالْبِسَاطِ وَالْحَصِيرِ أَصْلًا، وَلِهَذَا يُقَالُ: اجْلِسْ عَلَى الْبِسَاطِ لَا تَجْلِسْ عَلَى الْحَصِيرِ، وَتَارَةً اجْلِسْ عَلَى الْحَصِيرِ لَا تَجْلِسْ عَلَى الْأَرْضِ فَجَعَلَ الْجَالِسَ عَلَى أَحَدِهِمَا غَيْرَ جَالِسٍ عَلَى الْأَرْضِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ جَلَسَ عَلَى ذُيُولِهِ حَيْثُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَى الْأَرْضِ، وَيُقَالُ: جَلَسَ فُلَانٌ عَلَى الْأَرْضِ فَيَحْنَثُ، وَسِرُّهُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ اللِّبَاسُ تَبَعًا لَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ نَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ حَائِلًا بَلْ كَأَنَّهُ جَلَسَ بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَرْضِ. نَعَمْ لَوْ خَلَعَ ثَوْبَهُ فَبَسَطَهُ وَجَلَسَ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ لِارْتِفَاعِ التَّبَعِيَّةِ (وَلَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى سَرِيرٍ فَجَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَهُ بِسَاطٌ أَوْ حَصِيرٌ) أَوْ فِرَاشٌ (حَنِثَ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا عَلَيْهِ وَالْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ فِي الْعَادَةِ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى مَا يُفْرَشُ عَلَيْهِ، يُقَالُ جَلَسَ الْأَمِيرُ عَلَى السَّرِيرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فَوْقَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْفُرُشِ (بِخِلَافِ مَا إذَا جَعَلَ فَوْقَهُ سَرِيرًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْآخَرَ الْأَعْلَى (مِثْلُ الْأَوَّلِ) الْأَسْفَلِ فَلَمْ يُجْعَلْ تَابِعًا لَهُ فِي الْعُرْفِ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ. وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي الْفِرَاشِ بِالْعُرْفِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ نَامَ عَلَى فِرَاشَيْنِ وَلَا يُقَالُ جَلَسَ عَلَى سَرِيرَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ، بَلْ يُقَالُ جَلَسَ عَلَى سَرِيرٍ فَوْقَ سَرِيرٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ فِي هَذَا الدُّكَّانِ وَهَذَا السَّطْحِ إذَا حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَبَسَطَ عَلَيْهِ وَجَلَسَ حَنِثَ. وَلَوْ بَنَى دُكَّانًا فَوْقَ الدُّكَّانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute