للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ وَهُوَ مِنْ الْمَيِّتِ لَا يَتَحَقَّقُ

الَّتِي لَا يَأْخُذُهَا الْبَصَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَقَدِيرٌ. وَالْخِلَافُ فِيهِ إنْ كَانَ بِنَاءً عَلَى إنْكَارِ عَذَابِ الْقَبْرِ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ عَاقِلٍ الْقَوْلُ بِالْعَذَابِ مَعَ عَدَمِ الْإِحْسَاسِ. وَقَدْ أُورِدَ عَلَى أَخْذِ الْإِيلَامِ فِي تَعْرِيفِ الضَّرْبِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ﴾ فَقَدْ بَرَّ بِضَرْبِ الضِّغْثِ وَهِيَ حُزْمَةٌ مِنْ رَيْحَانٍ وَنَحْوِهِ وَلَا إيلَامَ فِيهِ. وَأُجِيبَ أَوَّلًا بِمَنْعِ عَدَمِ الْأَلَمِ فِي ضَرْبِ أَيُّوبَ بِالْكُلِّيَّةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَبْضَةٌ مِنْ الشَّجَرِ، وَإِنْ سَلِمَ فَمَخْصُوصٌ بِأَيُّوبَ. وَدُفِعَ بِأَنَّهُ تَمَسَّك بِهِ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ فِي جَوَازِ الْحِيلَةِ فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ.

وَفِي الْكَشَّافِ: هَذِهِ الرُّخْصَةُ بَاقِيَةٌ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْبِرَّ بِضَرْبٍ بِضِغْثٍ بِلَا أَلَمٍ أَصْلًا خُصُوصِيَّةٌ رَحْمَةً لِزَوْجَةِ أَيُّوبَ ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ بَقَاءُ شَرْعِيَّةِ الْحِيلَةِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى قُلْنَا: إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَضَرَبَهُ بِهَا مَرَّةً لَا يَحْنَثُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُصِيبَ بَدَنَهُ كُلُّ سَوْطٍ مِنْهَا، وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِأَطْرَافِهَا قَائِمَةً أَوْ بِأَعْرَاضِهَا مَبْسُوطَةً، وَالْإِيلَامُ شَرْطٌ فِيهِ، أَمَّا عَدَمُهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا. وَلَوْ ضَرَبَهُ بِسَوْطٍ وَاحِدٍ لَهُ شُعْبَتَانِ خَمْسِينَ مَرَّةً يَبَرُّ، وَلَوْ ضَرَبَهُ مِائَةَ سَوْطٍ وَخَفَّفَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَأَلَّمْ بِهِ لَا يَبَرُّ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ صُورَةً لَا مَعْنًى. وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْنَاهُ، فَلَا يَبَرُّ إلَّا بِأَنْ يَتَأَلَّمَ، حَتَّى إنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ شَرَطَ فِيمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ رُءُوسِ الْأَعْوَادِ وَضَرَبَ بِهَا كَوْنَ كُلِّ عُودٍ بِحَالِ لَوْ ضَرَبَ مُنْفَرِدًا بِهِ لَأَوْجَعَ الْمَضْرُوبَ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا بِالْحِنْثِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْأَلَمِ. [فُرُوعٌ] قَالَ: لَأَضْرِبَنَّكَ حَتَّى أَقْتُلَك هُوَ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ، وَمِثْلُهُ حَتَّى أَتْرُكَك لَا حَيٌّ وَلَا مَيِّتٌ، وَحَتَّى تَسْتَغِيثَ فَهُوَ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ، وَكَذَا حَتَّى تَبُولَ أَوْ حَتَّى تَبْرُكَ. وَعِنْدِي أَيْضًا عَلَى الضَّرْبِ الشَّدِيدِ لَأَضْرِبَنَّكَ بِالسَّيْفِ حَتَّى تَمُوتَ، وَلَأَضْرِبَنَّ وَلَدَك عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يَنْشَقَّ نِصْفَيْنِ، فَهُوَ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ بِهِ الْأَرْضَ وَيَرْكُلَهُ فَقَطْ، وَخِلَافُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ. حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ بِالسَّيْفِ حَنِثَ بِضَرْبِهِ بِغِلَافِهِ وَهُوَ فِيهِ، وَكَذَا بِالسَّوْطِ فَلَفَّهُ بِخِرْقَةٍ وَضَرَبَهُ حَنِثَ. حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ بِنَصْلِ هَذَا السِّكِّينِ أَوْ بِزُجِّ هَذَا الرُّمْحِ فَنَزَعَهُ وَرَكَّبَ غَيْرَهُ وَضَرَبَهُ بِهِ لَا يَحْنَثُ

وَلَوْ قَالَ: إنْ لَقِيتُك فَلَمْ أَضْرِبْك فَعَبْدِي حُرٌّ فَرَآهُ عَلَى سَطْحٍ أَوْ مِنْ بَعِيدٍ بِحَيْثُ لَا تَصِلُ إلَيْهِ يَدُهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ضَرْبِهِ لَا يَحْنَثُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ فُلَانٍ قَدْرُ مِيلٍ أَوْ أَكْثَرُ فَلَمْ يَلْقَهُ. حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ فَضَرَبَ أَمَتَهُ: يَعْنِي فَأَصَابَ ضَرْبُهُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ قَصْدٍ حَنِثَ. حَلَفَ لَا أُعَذِّبُهُ فَحَبَسَهُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَبْسَ تَعْذِيبٌ قَاصِرٌ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمُطْلَقِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكِسْوَةُ) إذَا حَلَفَ لَيَكْسُوَنَّهُ فَأَلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبًا بَعْدَ مَوْتِهِ يَحْنَثُ وَتَقْتَصِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>