للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ السَّتْرَ، وَقِيلَ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى اللُّبْسِ (وَكَذَا الْكَلَامُ وَالدُّخُولُ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ زِيَارَتُهُ وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُزَارُ قَبْرُهُ لَا هُوَ

(وَلَوْ قَالَ: إنْ غَسَّلْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَغَسَّلَهُ بَعْدَ مَا مَاتَ يَحْنَثُ) لِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ الْإِسَالَةُ وَمَعْنَاهُ التَّطْهِيرُ

الْكِسْوَةُ عَلَى الْحَيَاةِ لِاعْتِبَارِ التَّمْلِيكِ فِي مَفْهُومِهَا، وَلِذَا لَوْ قَالَ: كَسَوْتُك هَذَا الثَّوْبَ كَانَ هِبَةً، وَقَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ إحْدَى خِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيهَا فِيمَا سِوَى الْإِطْعَامِ التَّمْلِيكُ، وَالْمَيِّتُ لَيْسَ أَهْلًا لَلتَّمَلُّكِ لِيَصِحَّ التَّمْلِيكُ. قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِالْفَارِسِيَّةِ يُرَادُ بِهِ اللُّبْسُ دُونَ التَّمْلِيكِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُنْوَى بِهِ السَّتْرَ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَيَاةِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ التَّشْبِيهُ فِي قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ فَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ لِأَنَّ السُّتْرَةَ تَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْحَيِّ فَتَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عَلَى حَالَتَيْ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، وَذِكْرُ ضَمِيرٍ بِهِ وَهُوَ الْكِسْوَةُ عَلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: كَسَوْتُك، وَقِيلَ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِكْسَاءِ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي اللُّغَةِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَلَامُ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَيَاةِ، فَلَوْ كَلَّمَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْإِفْهَامُ وَالْمَوْتُ يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُ فَلَا يَفْهَمُ. وَأُورِدَ «أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ: هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَقَالَ عُمَرُ : أَتُكَلِّمُ الْمَوْتَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِي مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ مِنْهُمْ» وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ: يَعْنِي مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّ عَائِشَةَ رَدَّتْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ وَبِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْمَوْعِظَةِ لِلْأَحْيَاءِ لَا لِإِفْهَامِ الْمَوْتَى، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، أَمَّا نِسَاؤُكُمْ فَنُكِحَتْ وَأَمَّا أَمْوَالُكُمْ فَقُسِمَتْ، وَأَمَّا دُورُكُمْ فَقَدْ سُكِنَتْ، فَهَذَا خَبَرُكُمْ عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُنَا عِنْدَكُمْ " وَبِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِأُولَئِكَ تَضْعِيفًا لِلْحَسْرَةِ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ بَقِيَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا» وَلْيُنْظَرْ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ (قَوْلُهُ وَالدُّخُولُ) يَعْنِي إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ تَقَيَّدَ بِالْحَيَاةِ، فَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ مَيِّتًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ زِيَارَتُهُ أَوْ خِدْمَتُهُ حَتَّى لَا يُقَالَ دَخَلَ عَلَى حَائِطٍ وَلَا عَلَى دَابَّةٍ، وَالزِّيَارَةُ لِلْمَيِّتِ لَيْسَتْ حَقِيقَةً بَلْ إنَّمَا الْمَزُورُ قَبْرُهُ، وَلِهَذَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» وَلَمْ يَقُلْ عَنْ زِيَارَةِ الْمَوْتَى

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: إنْ غَسَّلْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ انْعَقَدَ عَلَى الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ لِأَنَّ الْغُسْلَ الْإِسَالَةُ) وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ بِهِ التَّطْهِيرُ أَوْ إزَالَةُ الْوَسَخِ وَالْكُلُّ يَتَحَقَّقُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْأَصْلِ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يُلِذُّ وَيُؤْلِمُ وَيَغُمُّ وَيَسُرُّ يَقَعُ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ الْمَمَاتِ كَالضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَالْجِمَاعِ وَالْكِسْوَةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِ اهـ. وَمِثْلُهُ التَّقْبِيلُ إذَا حَلَفَ لَا يُقَبِّلُهَا فَقَبَّلَهَا بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>