وَقَالَ ﵊ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْمَغْرِبَ وَأَخَّرُوا الْعِشَاءَ».
قَالَ (وَتَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إلَى مَا قَبْلَ ثُلُثِ اللَّيْلِ)
يَوْمُ غَيْمٍ، وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ أَخَّرَهَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهِ خِلَافٌ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَلَا يَبْعُدُ، وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ التَّشَبُّهُ بِالْيَهُودِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷺ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ» إلَخْ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو أَيُّوبَ غَازِيًا وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَوْمَئِذٍ عَلَى مِصْرَ، فَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ، فَقَامَ إلَيْهِ أَبُو أَيُّوبَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ يَا عُقْبَةُ؟ قَالَ شُغِلْنَا، قَالَ: أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «لَا تَزَلْ أُمَّتِي بِخَيْرٍ» أَوْ قَالَ «عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ» فِيهِ نَظَرٌ إذْ مُقْتَضَاهُ نَدْبٌ، وَبِتَقْدِيرِهِ تَفْوِيتُ مَا نَدَبَ إلَيْهِ لَا تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ لِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الْعِشَاءِ يَنْدُبُ تَأْخِيرُهَا إلَى مَا قَبْلَ الثُّلُثِ وَيُصَلِّيهَا إذْ ذَاكَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ إلَى النِّصْفِ انْتَفَى النَّدْبُ وَكَانَ مُبَاحًا، وَمَا بَعْدَهُ مَكْرُوهٌ، وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ ضَمَانُ الْخَيْرِ وَالْفِطْرَةِ، أَيْ السُّنَّةِ بِالتَّعَجُّلِ، وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ ضِدِّهِمَا فِي التَّأْخِيرِ لِجَوَازِ حُصُولِهِمَا مَعَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَهَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ تَأْخِيرِهَا، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى قَوْلِهِ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ، هَذَا إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِتَوْثِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ الْحَقُّ الْأَبْلَجُ، وَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ لَا يَثْبُتُ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَقْبَلْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ شُعْبَةُ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ.
وَرَوَى عَنْهُ مِثْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ إدْرِيسَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَيَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَابْنِ عُلَيَّةَ وَعَبْدِ الْوَارِثِ وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَاحْتَمَلَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ، وَقَدْ أَطَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَوْثِيقِهِ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْ الْكَلَامِ فِي ابْنِ إِسْحَاقَ وَاصْطَلَحَ مَعَهُ وَبَعَثَ إلَيْهِ هَدِيَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute