لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَقْبِضَ جَمِيعَهُ) لِأَنَّ الشَّرْطَ قَبْضُ الْكُلِّ وَلَكِنَّهُ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ إلَى دَيْنٍ مُعَرَّفٍ مُضَافٍ إلَيْهِ فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِهِ (فَإِنْ قَبَضَ دَيْنَهُ فِي وَزَنَيْنَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَهُمَا إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ لَمْ يَحْنَثْ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْرِيقٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُ الْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً عَادَةً فَيَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى عَنْهُ
(وَمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَلَا يَمْلِكُ إلَّا خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عُرْفًا نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمِائَةِ اسْتِثْنَاؤُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا (وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ غَيْرَ مِائَةٍ أَوْ سِوَى مِائَةٍ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ أَدَاةُ الِاسْتِثْنَاءِ.
لَمْ يَحْنَثْ) بِمُجَرَّدِ قَبْضِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بَلْ يَتَوَقَّفُ حِنْثُهُ عَلَى قَبْضِ بَاقِيهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ حَنِثَ (لِأَنَّ الشَّرْطَ) أَيْ شَرْطَ الْحِنْثِ (قَبْضُ الْكُلِّ بِوَصْفِ التَّفَرُّقِ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْقَبْضَ) الْمُتَفَرِّقَ (إلَى كُلِّ الدَّيْنِ) حَيْثُ قَالَ: لَا أَقْبِضُ دَيْنِي وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا بِتَمَامِهِ مُتَفَرِّقًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ التَّفَرُّقُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِتَعَدُّدِ الْوَزْنِ لَا يَحْنَثُ إذَا كَانَ لَمْ يَتَشَاغَلْ بَيْنَ الْوَزْنَتَيْنِ إلَّا بِعَمَلِ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَكَانَ الْوَزْنَتَانِ كَوَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَشَاغَلَ بِعَمَلٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ بِهِ يَخْتَلِفُ مَجْلِسُ الْقَبْضِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ قَبْضُهُ بِوَزْنَةٍ وَاحِدَةٍ لِكَثْرَتِهِ فَجُعِلَ التَّفْرِيقُ الْكَائِنُ بِهَذَا السَّبَبِ مُسْتَثْنًى. وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مُؤَقَّتَةٌ هَكَذَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَقَالَ عَبْدِي حُرٌّ إنْ أَخَذْتُهَا مِنْك الْيَوْمَ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَخْذُ كُلِّ الْمِائَةِ عَلَى التَّفْرِيقِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ أَخَذْتُ مِنْهَا الْيَوْمَ مِنْك دِرْهَمَيْنِ دُونَ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ خَمْسَةً وَلَمْ يَأْخُذْ مَا بَقِيَ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ أَخْذَ بَعْضِ الْمِائَةِ مُتَفَرِّقًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَقَدْ وُجِدَ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ لِي إلَّا مِائَةُ دِرْهَمٍ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَلَمْ يَمْلِكْ إلَّا خَمْسِينَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ عُرْفًا نَفْيُ مَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ) فَيَصْدُقُ عَلَى الْخَمْسِينَ، إذْ يَصْدُقُ أَنَّ الْخَمْسِينَ لَيْسَ زَائِدًا عَلَى الْمِائَةِ. وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى اللَّفْظِ فَلَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى جَعْلِ الْمُسْتَثْنَى مَسْكُوتًا عَلَى حُكْمِهِ، فَإِنَّ مَعْنَى اللَّفْظِ لَيْسَ لِي مَالٌ إلَّا مِائَةٌ فَالْمِائَةُ مُخْرَجَةٌ مِنْ نَفْيِ الْمَالِ، فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ الْمُسْتَثْنَى مَسْكُوتٌ فَتَكُونُ الْمِائَةُ غَيْرَ مَحْكُومٍ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا فِي مِلْكِهِ بَلْ وَلَا مُتَعَرَّضًا لَهَا بِإِثْبَاتٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ. وَأَمَّا عَلَى جَعْلِهِ مُثْبَتًا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ أُخْرَى، أَوْ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَهُوَ مُخْتَارُنَا، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَيَحْنَثُ لَفْظًا؛ لِأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى أَنَّ لَهُ مِائَةً. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْمِائَةِ اسْتِثْنَاؤُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا) فَظَاهِرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute