للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ) يَعْنِي الدَّيْنَ (لَمْ يَبَرَّ) لِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ فَعَلَهُ، وَالْهِبَةُ إسْقَاطٌ مِنْ صَاحِبِ الدَّيْنِ.

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ

رَبُّ الدَّيْنِ فَقَالَ: إنْ لَمْ أَقْبِضْ مَالِي عَلَيْك الْيَوْمَ أَوْ إنْ لَمْ أَسْتَوْفِ. قَالَ مُحَمَّدٌ (فَإِنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يَبَرَّ) يَعْنِي إذَا وَهَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الدَّرَاهِمَ الدَّيْنَ فِي الْيَوْمِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ فَقَبِلَ لَمْ يَبَرَّ الْمَدْيُونُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبِرِّ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوجَدْ (لِعَدَمِ الْمُقَاصَّةِ) وَلِأَنَّ فِعْلَ الْمَدْيُونِ وَالْهِبَةِ فِعْلُ الدَّائِنِ بِالْإِبْرَاءِ فَلَا يَكُونُ فِعْلُ هَذَا فِعْلَ الْآخَرِ. قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَإِذَا لَمْ يَبَرَّ لَمْ يَحْنَثْ أَيْضًا عِنْدَهُمَا لِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ: يَعْنِي تَعَذُّرَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ. وَتَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ أَنَّ بَقَاءَ التَّصَوُّرِ شَرْطٌ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتَةِ، وَهَذِهِ كَذَلِكَ إذْ الْكَلَامُ هُنَا فِي يَمِينٍ مُؤَقَّتَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَمْ يَذْكُرْ الْيَوْمَ. وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ ارْتِفَاعَ النَّقِيضَيْنِ؛ لِأَنَّ الْبِرَّ نَقِيضُ الْحِنْثِ فَلَا يَرْتَفِعَانِ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ النَّقِيضَيْنِ اللَّذَيْنِ يَجِبُ صِدْقُ أَحَدِهِمَا دَائِمًا هُمَا فِي الْأُمُورِ الْحَقِيقِيَّةِ كَوُجُودِ زَيْدٍ وَعَدَمِهِ، أَمَّا فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا تَعَلَّقَ قِيَامُ النَّقِيضَيْنِ بِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُهُمَا مَا دَامَ السَّبَبُ قَائِمًا، وَمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ قِيَامَ الْيَمِينِ سَبَبٌ لِثُبُوتِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ لَا مَحَالَةَ مِنْ الْحِنْثِ أَوْ الْبِرِّ شَرْعًا، فَإِنْ فُرِضَ انْتِفَاؤُهُ انْتَفَى الْحِنْثُ وَالْبِرُّ كَمَا هُوَ قَبْلَ الْيَمِينِ حَيْثُ لَا بِرَّ وَلَا حِنْثَ، فَإِذَا فُرِضَ ارْتِفَاعُهُ كَانَ الْحَالُ كَمَا هُوَ قَبْلَ وُجُودِهِ، وَجَمِيعُ مَا أُورِدَ مِنْ الِاسْتِشْهَادِ مِثْلُ قَوْلِ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ لَمْ يَحْنَثْ فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَحْنَثْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْحِنْثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُهُ لَهُ قَالُوا بَرَّ وَلَمْ يَحْنَثْ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْبِرُّ وَهُوَ بِفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ. وَاعْلَمْ أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْهِبَةِ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْحَالِفِ عَلَى يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَمَا أَشَرْنَا إلَى ذَلِكَ، أَمَّا الْمُطْلَقَةُ بِأَنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ فَأَبْرَأَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ التَّصَوُّرَ لَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ بَلْ فِي الِابْتِدَاءِ، وَحِينَ حَلَفَ كَانَ الدَّيْنُ قَائِمًا فَكَانَ تَصَوُّرُ الْبِرِّ ثَابِتًا فَانْعَقَدَتْ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْقَضَاءِ بِالْيَأْسِ مِنْ الْبِرِّ بِالْهِبَةِ

(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَقْبِضُ دَيْنَهُ دِرْهَمًا دُونَ دِرْهَمٍ فَقَبَضَ بَعْضَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>