(وَإِذَا اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لِيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْبَلَدَ فَهَذَا عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ دَفْعُ شَرِّهِ أَوْ شَرِّ غَيْرِهِ بِزَجْرِهِ فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ، وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
(وَمَنْ حَلَفَ أَنْ يَهَبَ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالْبَيْعِ
مُضِيِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَلَوْ جُنَّ الْحَالِفُ فِي يَوْمِهِ حَنِثَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا اسْتَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلًا لِيُعْلِمَنَّهُ بِكُلِّ دَاعِرٍ دَخَلَ الْمَدِينَةَ) وَهُوَ بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ كُلُّ مُفْسِدٍ وَجَمْعُهُ دُعَّارٌ مِنْ الدَّعْرِ وَهُوَ الْفَسَادُ، وَمِنْهُ دَعِرَ الْعَوْدَ يَدْعَرُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي وَفَتْحِهَا فِي الْمُضَارِعِ إذَا فَسَدَ (فَهُوَ عَلَى حَالِ وِلَايَتِهِ خَاصَّةً) فَلَوْ عُزِلَ لَا يَلْزَمُهُ إخْبَارُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَهَذَا التَّخْصِيصُ فِي الزَّمَانِ يَثْبُتُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الِاسْتِحْلَافِ زَجْرُهُ بِمَا يَدْفَعُ شَرَّهُ أَوْ شَرَّ غَيْرِهِ بِزَجْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا زُجِرَ دَاعِرٌ انْزَجَرَ دَاعِرٌ آخَرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي حَالِ وِلَايَتِهِ؛ لِأَنَّهَا حَالُ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ (فَلَا يُفِيدُ فَائِدَتَهُ بَعْدَ زَوَالِ سَلْطَنَتِهِ وَالزَّوَالُ بِالْمَوْتِ وَكَذَا بِالْعَزْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) وَإِذَا سَقَطَتْ الْيَمِينُ لَا تَعُودُ وَلَوْ عَادَ إلَى الْوِلَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُعَادَ فَيَزْجُرَهُ لِتَقَدُّمِ مَعْرِفَتِهِ بِحَالِهِ وَهَذَا بَعِيدٌ. وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ أَيْضًا: ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ لَوْ عَلِمَ بِالدَّاعِرِ وَلَمْ يُعْلِمْهُ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا إذَا مَاتَ هُوَ أَوْ الْمُسْتَحْلَفُ أَوْ عُزِلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا بِالْيَأْسِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً فَيَحْنَثُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ مَعَ الْإِمْكَانِ اهـ. وَلَوْ حُكِمَ بِانْعِقَادِ هَذِهِ لِلْفَوْرِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا نَظَرًا إلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْمُبَادَرَةُ لِزَجْرِهِ وَدَفْعِ شَرِّهِ، فَالدَّاعِي يُوجِبُ التَّقْيِيدَ بِالْفَوْرِ: أَيْ فَوْرِ عِلْمِهِ بِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ حَلَّفَ رَبُّ الدَّيْنِ غَرِيمَهُ أَوْ الْكَفِيلَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْ الْبَلَدِ إلَّا بِإِذْنِهِ يَتَقَيَّدُ بِحَالِ قِيَامِ الدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ، وَكَذَا لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ تَقَيُّدًا بِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَإِذَا زَالَ الدَّيْنُ وَالزَّوْجِيَّةُ سَقَطَتْ ثُمَّ لَا تَعُودُ الْيَمِينُ بِعَوْدِهِمَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ الدَّارِ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ، إذْ لَمْ يَذْكُرْ الْإِذْنَ فَلَا مُوجِبَ لِتَقْيِيدِهِ بِزَمَانِ الْوِلَايَةِ فِي الْإِذْنِ، وَكَذَا الْحَالُ فِي حَلِفِهِ عَلَى الْعَبْدِ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِك طَالِقٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِهَا طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَقَيَّدْ يَمِينُهُ بِبَقَاءِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَقَيَّدُ بِهِ لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَسْتَفِيدُ وِلَايَةَ الْإِذْنِ وَالْمَنْعِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَيَهَبَنَّ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ) الْأَصْلُ أَنَّ اسْمَ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّهْنِ وَالْخُلْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute