(، وَإِذَا شَهِدُوا سَأَلَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَمَتَى زَنَى وَبِمَنْ زَنَى؟) لِأَنَّ النَّبِيَّ ﵊ اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا عَنْ الْكَيْفِيَّةِ وَعَنْ الْمُزَنِيَّةِ،
وَالتَّهَتُّكِ بِهِ بَلْ بَعْضُهُمْ رُبَّمَا افْتَخَرَ بِهِ فَيَجِبُ كَوْنُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا؛ لِأَنَّ مَطْلُوبَ الشَّارِعِ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفَوَاحِشِ بِالْخِطَابَاتِ الْمُفِيدَةِ لِذَلِكَ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفَاعِلِينَ وَالزَّجْرِ لَهُمْ، فَإِذَا ظَهَرَ حَالُ الشَّرَهِ فِي الزِّنَا مَثَلًا وَالشُّرْبِ وَعَدَمُ الْمُبَالَاةِ بِهِ وَإِشَاعَتُهُ فَإِخْلَاءُ الْأَرْضِ الْمَطْلُوبِ حِينَئِذٍ بِالتَّوْبَةِ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظُهُورُ عَدَمِهَا مِمَّنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ تَحْقِيقُ السَّبَبِ الْآخَرِ لِلْإِخْلَاءِ وَهُوَ الْحُدُودُ، بِخِلَافِ مَنْ زَنَى مَرَّةً أَوْ مِرَارًا مُتَسَتِّرًا مُتَخَوِّفًا مُتَنَدِّمًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ اسْتِحْبَابِ سَتْرِ الشَّاهِدِ. «وَقَوْلُهُ ﵊ لِهُزَالٍ فِي مَاعِزٍ لَوْ كُنْت سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ» الْحَدِيثَ، وَسَيَأْتِي كَانَ فِي مِثْلِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَعَلَى هَذَا ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْغِيبَةِ فِيهِ يَحْرُمُ مِنْهُ مَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَيَحِلُّ مِنْهُ مَا يَحِلُّ مِنْهَا. وَأَمَّا إنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْحِكْمَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلِأَنَّ شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ كَمَا تَكُونُ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً عَلَى أَفْعَالٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ قَتَلُوا فُلَانًا وَنَحْوَهُ، فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(قَوْلُهُ وَإِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَا سَأَلَهُمْ الْحَاكِمُ) عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ (عَنْ الزِّنَا مَا هُوَ وَكَيْفَ هُوَ وَأَيْنَ زَنَى وَمَتَى زَنَى وَبِمَنْ زَنَى) ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِأَنَّهُ ﷺ اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا عَنْ الْكَيْفِيَّةِ وَعَنْ الْمُزَنِيَّةِ، وَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ الْمَطْلُوبَ شَرْعًا فِي ذَلِكَ فَهَذَا الْوَجْهُ يَعُمُّ الْخَمْسَةَ، وَالسَّمْعِيُّ مُقْتَصِرٌ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا.
فَحَاصِلُهُ اسْتِدْلَالُهُ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا بِدَلِيلَيْنِ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ بِدَلِيلٍ وَاحِدٍ. فَإِنْ قِيلَ: الْكَلَامُ فِي اسْتِفْسَارِ الشُّهُودِ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِاسْتِفْسَارِ الْمُقِرِّ وَهُوَ مَاعِزٌ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ عِلَّةَ اسْتِفْسَارِهِ بِعَيْنِهِمَا ثَابِتَةٌ فِي الشُّهُودِ كَمَا سَتُسْمَعُ فَوَجَبَ اسْتِفْسَارُهُمْ. أَمَّا إنَّهُ اسْتَفْسَرَهُ عَنْ الْكَيْفِيَّةِ فَفِيمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ «جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَ فِي الْخَامِسَةِ فَقَالَ: أَنِكْتَهَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: حَتَّى غَابَ ذَلِكَ مِنْكَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا، قَالَ نَعَمْ؟ قَالَ: كَمَا يَغِيبُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ وَكَمَا يَغِيبُ الرِّشَاءُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَيْتُ مِنْهَا حَرَامًا مِثْلَ مَا يَأْتِي الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ حَلَالًا، قَالَ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ، فَسَكَتَ عَنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ فَقَالَ: أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَقَالَا: نَحْنُ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ، فَقَالَا: وَمَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عَرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا»
وَأَمَّا اسْتِفْسَارُهُ عَنْ الْمُزَنِيَّةِ فَفِيمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ هُزَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute