للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ (فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِالزِّنَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ «وَقَالَ لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِكَ» وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى السَّتْرِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَالْإِشَاعَةُ ضِدُّهُ

الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا مَعَ الصِّدْقِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْآخِرَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِسُقُوطِهِ بِالْحَدِّ إنْ لَمْ يَتُبْ وَقَصْدًا إلَى تَحْقِيقِ النِّكَايَةِ لِنَفْسِهِ إذْ وَرْطَتُهُ فِي أَسْبَابِ سُخْطِ اللَّهِ تَعَالَى لِيَنَالَ دَرَجَةَ أَهْلِ الْعَزْمِ

(قَوْلُهُ فَالْبَيِّنَةُ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَةٌ مِنْ الشُّهُودِ) لَيْسَ فِيهِمْ امْرَأَةٌ (عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ بِالزِّنَا)، وَيَجُوزُ كَوْنُ الزَّوْجِ مِنْهُمْ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، هُوَ يَقُولُ هُوَ مُتَّهَمٌ وَنَحْنُ نَقُولُ: التُّهْمَةُ مَا تُوجِبُ جَرَّ نَفْعٍ، وَالزَّوْجُ مُدْخِلٌ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ لُحُوقَ الْعَارِ وَخُلُوَّ الْفِرَاشِ خُصُوصًا إذَا كَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ صِغَارٌ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الشُّهُودُ أَرْبَعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ لِلَّذِي قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا: يَعْنِي هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ «ائْتِ بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِكَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» فَلَمْ يُحْفَظْ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَاَلَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ «أَنَّهُ قَالَ الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» نَعَمْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيُّ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أَوَّلُ لِعَانٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ شَرِيكَ ابْنَ سَحْمَاءَ قَذَفَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بِامْرَأَتِهِ، فَرَفَعَتْهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ : أَرْبَعَةَ شُهُودٍ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» وَالْمَسْأَلَةُ وَهِيَ اشْتِرَاطُ الْأَرْبَعَةِ قَطْعِيَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ حِكْمَةَ اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعَةِ تَحْقِيقُ مَعْنَى السَّتْرِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ لِنَفْيِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ حِكْمَتَهُ أَنَّ شَهَادَةَ الزِّنَا تَتَضَمَّنُ الشَّهَادَةَ عَلَى اثْنَيْنِ، وَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ يَحْتَاجُ إلَى اثْنَيْنِ فَلَزِمَتْ الْأَرْبَعَةُ، أَمَّا إنَّ فِيهِ تَحْقِيقَ مَعْنَى السَّتْرِ فَلِأَنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا كَثُرَتْ شُرُوطُهُ قَلَّ وُجُودُهُ، فَإِنَّ وُجُودَهُ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ لَيْسَ كَوُجُودِهِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهَا فَيَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ الِانْدِرَاءُ. وَأَمَّا إنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَلِمَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ رَأَى عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً» وَإِذَا كَانَ السَّتْرُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِهِ خِلَافَ الْأُولَى الَّتِي مَرْجِعُهَا إلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّهَا فِي رُتْبَةِ النَّدْبِ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ وَكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فِي جَانِبِ التَّرْكِ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ لَمْ يَعْتَدْ الزِّنَا وَلَمْ يَتَهَتَّكْ بِهِ، أَمَّا إذَا وَصَلَ الْحَالُ إلَى إشَاعَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>