. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَقَالُوا مَا نَعْلَمُهُ إلَّا وَفِي الْعَقْلِ مِنْ صَالِحِينَا، فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَيْضًا فَسَأَلَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بِعَقْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفْرَةً فَرَجَمَهُ»
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ ﵁ قَالَ «أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ ﷺ فَاعْتَرَفَ وَأَنَا عِنْدَهُ مَرَّةً فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّانِيَةَ فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّالِثَةَ فَرَدَّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إنْ اعْتَرَفْتَ الرَّابِعَةَ رَجَمَكَ، قَالَ: فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ فَحَبَسَهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ» فَصَرَّحَ بِتَعْدَادِ الْمَجِيءِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ غَيْبَتَهُ، وَنَحْنُ إنَّمَا قُلْنَا: إنَّهُ إذَا تَغَيَّبَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ مَجْلِسٌ آخَرُ.
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إنَّ الْأَبْعَدَ زَنَى، فَقَالَ لَهُ: وَيْلَكَ وَمَا يُدْرِيكَ مَا الزِّنَا فَأَمَرَ بِهِ فَطُرِدَ وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِهِ فَطُرِدَ وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِهِ فَطُرِدَ وَأُخْرِجَ، ثُمَّ أَتَاهُ الرَّابِعَةَ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ: أَدْخَلْتَ وَأَخْرَجْتَ؟ قَالَ نَعَمْ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ» فَهَذِهِ وَغَيْرُهَا مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ ظَاهِرٌ فِي تَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَلَيْهَا وَأَنَّ قَوْلَهُ فَتَنَحَّى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ مَعْدُودٌ مَعَ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إقْرَارًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَيْ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَعَدُّدِ الْمَجَالِسِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْكَلَامُ مَعَ الْمُكْتَفِينَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَأَمَّا كَوْنُ الْغَامِدِيَّةِ لَمْ تُقِرَّ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَمْنُوعٌ، بَلْ أَقَرَّتْ أَرْبَعًا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا عِنْدَ أَبِي دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ «قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ وَمَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا لَمْ يَطْلُبْهُمَا، وَإِنَّمَا رَجَمَهُمَا بَعْدَ الرَّابِعَةِ». فَهَذَا نَصٌّ فِي إقْرَارِهَا أَرْبَعًا، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ تَفَاصِيلَهَا، وَالرُّوَاةُ كَثِيرًا مَا يَحْذِفُونَ بَعْضَ صُورَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى أَنَّهُ رَوَى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ سُلَيْمٍ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ «أَنَّهَا أَقَرَّتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَهُوَ يَرُدُّهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا: اذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي» الْحَدِيثَ غَيْرَ أَنَّهُ فِيهِ مَجْهُولًا تَتَمَيَّزُ جَهَالَتُهُ بِمَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ رَدَّ مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَانَ لِاسْتِرَابَتِهِ فِي عَقْلِهِ، فَإِنْ سَلِمَ لَا يَتَوَقَّفُ عِلْمُ ذَلِكَ عَلَى الْأَرْبَعِ، وَالثَّلَاثَةُ مَوْضُوعَةٌ فِي الشَّرْعِ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ جُعِلَ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ عِنْدَهَا لَا يُعْذَرُ الْمَغْبُونُ، وَالْمُرْتَدُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخَّرَ ثَلَاثًا لِيُرَاجِعَ نَفْسَهُ فِي شُبْهَتِهِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْبَعَةُ عَدَدًا مُعْتَبَرًا فِي اعْتِبَارِ إقْرَارِهِ لَمْ يُؤَخَّرْ رَجْمُهُ بَعْدَ الثَّالِثَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَرْتِيبُهُ ﷺ الْحُكْمَ عَلَيْهَا وَهُوَ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهَا، وَكَذَا الصَّحَابَةُ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ ﵊ فِي حَدِيثِ هُزَالٍ «إنَّكَ قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعًا فَبِمَنْ زَنَيْتَ» وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ هُزَالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنْ الْحَيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ» الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ. وَزَادَ فِيهِ أَحْمَدُ. قَالَ هِشَامٌ: فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ حِينَ رَآهُ: وَاَللَّهِ يَا هُزَالُ لَوْ كُنْت سَتَرْتَهُ بِثَوْبِك لَكَانَ خَيْرًا لَك مِمَّا صَنَعْت بِهِ» قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ: إسْنَادُهُ صَالِحٌ، وَيَزِيدُ بْنُ نُعَيْمٍ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَبُوهُ نُعَيْمٌ ذُكِرَ فِي الثِّقَاتِ أَيْضًا وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ. وَقَدْ رَوَى تَرْتِيبَهُ ﷺ عَلَى الْأَرْبَعِ جَمَاعَةٌ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ: فَمِنْهَا مَا ذَكَرْنَا، وَمِنْهَا فِي لَفْظٍ لِأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «إنَّك قَدْ شَهِدْت عَلَى نَفْسِك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute