لِثُبُوتِ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ اخْتَصَّتْ فِيهِ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ، فَكَذَا الْإِقْرَارُ إعْظَامًا لِأَمْرِ الزِّنَا وَتَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ، وَلَا بُدَّ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَجَالِسِ لِمَا رَوَيْنَا،
أَرْبَعَ مَرَّاتٍ»
وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ «أَلَيْسَ إنَّك قَدْ قُلْتهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ» وَتَقَدَّمَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ ﵁ أَنَّهُ قَالَ لَهُ بِحَضْرَتِهِ ﷺ «إنْ اعْتَرَفْت الرَّابِعَةَ رَجَمَك» إلَّا أَنَّ فِي إسْنَادِهِ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ، وَكَوْنُهُ رُوِيَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ رَدَّهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَمِنْ اخْتِصَارِ الرَّاوِي، وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَقَرَّ أَرْبَعًا. وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ «شَهِدْت عَلَى نَفْسِك» يُؤْنَسُ مِنْهُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ الْإِقْرَارَ بِالشَّهَادَةِ، فَكَمَا أَوْجَبَ سُبْحَانَهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا أَرْبَعًا عَلَى خِلَافِ الْمُعْتَادِ فِي غَيْرِهِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ فِي إقْرَارِهِ إنْزَالًا لِكُلِّ إقْرَارٍ مَنْزِلَةَ شَهَادَةِ وَاحِدٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَكَانَ النَّظَرُ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ، وَإِذَنْ فَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْعَسِيفِ «فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» مَعْنَاهُ الِاعْتِرَافُ الْمَعْهُودُ فِي الزِّنَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ خُصُوصًا لِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ خَاصَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ الصَّحَابَةِ، هَذَا وَنُقِلَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي اسْتِفْسَارِ مَاعِزٍ أَنَّهُ رَجَمَهُ بَعْدَ الْخَامِسَةِ، وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ عَدَّ آحَادَ الْأَقَارِيرِ فَإِنَّ فِيهَا إقْرَارَيْنِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَا فِي الْجَمْعِ فَكَانَتْ خَمْسًا.
فَإِنْ قِيلَ: يَجُوزُ كَوْنُ رَدِّهِ لِيَرْجِعَ. قُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ يُلَقِّنَهُ بِالرُّجُوعِ وَلَكِنْ فِي مَجْلِسِ الْإِقْرَارِ الْمُوجِبِ. وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ الْمُوجِبُ هُوَ الْأَوَّلَ لَلَقَّنَهُ بَعْدَهُ لَا أَنَّهُ يُطْلِقُهُ مُخْتَارًا فِي إطْلَاقِهِ لِيَذْهَبَ، وَقَدْ لَا يَرْجِعُ هَكَذَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَهَذَا لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْإِقَامَةَ مُخَاطَبٌ بِهَا الْإِمَامُ بِالنَّصِّ إذَا ثَبَتَ السَّبَبُ عِنْدَهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَإِلَّا فَاتَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِيجَابِ، غَيْرَ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ قَبْلَ رُجُوعِهِ فَإِيجَابُ السَّبَبِ مُقَيَّدٌ بِعَدَمِ الرُّجُوعِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ جَوَازَ رَدِّهِ وَإِخْرَاجِهِ لِيَذْهَبَ وَيَرْجِعَ وَقَدْ لَا يَرْجِعُ بَلْ يَذْهَبُ إلَى حَالِ سَبِيلِهِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى الْإِقْرَارِ، غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: إنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذَا الْحَقِّ لَا يُوجِبُ شَيْئًا عَلَى الْإِمَامِ فَيَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ غَيْرَ رَاجِعٍ عَنْهُ خُصُوصًا فِي زَمَنٍ لَمْ تُعْرَفْ فِيهِ تَفَاصِيلُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلنَّاسِ بَعْدُ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ الْغَامِدِيَّةَ قَالَتْ لَهُ ﵊: أَتُرِيدُ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْت مَاعِزًا؟ وَاَللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى مِنْ الزِّنَا»، فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِأَحَدٍ بَلْ لَمَّا قَالَتْهُ قَالَ: «أَمَّا لَا فَاذْهَبِي حَتَّى تَلِدِي، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِصَبِيٍّ فِي خِرْقَةٍ فَقَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْته، قَالَ: فَاذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ قَالَتْ: هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَطَمْته وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحَفَرَ لَهَا إلَى صَدْرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَرْجُمُوهَا فَرَجَمُوهَا، فَنَقَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِحَجَرٍ فَرَمَى رَأْسَهَا فَنَضَحَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِ خَالِدٍ فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ سَبَّهُ إيَّاهَا فَقَالَ: مَهْلًا يَا خَالِدُ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ» وَلَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ اعْتَبَرَ قَوْلَهَا فَلَمْ يَرُدَّهَا، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ رَدَّهَا وَغَيَّاهُ إلَى وِلَادَتِهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى فِطَامِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute