قَالَ (يَأْمُرُ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا) لِأَنَّ عَلِيًّا ﵁ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ.
عَامٌّ فِي الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ نُسِخَ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ قَطْعًا، وَيَكْفِينَا فِي تَعَيُّنِ النَّاسِخِ الْقَاطِعِ بِرَجْمِ النَّبِيِّ ﷺ فَيَكُونُ مِنْ نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ. الْقَطْعِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ ادِّعَاءِ كَوْنِ النَّاسِخِ: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِثُبُوتِ كَوْنِهَا قُرْآنًا ثُمَّ انْتِسَاخُ تِلَاوَتِهَا وَإِنْ ذَكَرَهَا عُمَرُ وَسَكَتَ النَّاسُ، فَإِنَّ كَوْنَ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ حُجَّةً مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَبِتَقْدِيرِ حُجِّيَّتِهِ لَا يُقْطَعُ بِأَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا إذْ ذَاكَ حُضُورًا؛ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ ظَنِّيٌّ، وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ عَلِيٌّ ﵁ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ: إنَّ الرَّجْمَ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ: جَلَدْتهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى الْقُرْآنِ الْمَنْسُوخِ التِّلَاوَةِ، وَعُرِفَ مِنْ قَوْلِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِعَدَمِ نَسْخِ عُمُومِ الْآيَةِ فَيَكُونُ رَأْيُهُ أَنَّ الرَّجْمَ حُكْمٌ زَائِدٌ فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلٌ قِيلَ بِهِ، وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ ﵊ «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ» وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «وَرَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ» وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ضَرْبًا مُتَوَسِّطًا) قِيلَ الْمُرَادُ بِثَمَرَةِ السَّوْطِ عَذْبَتُهُ وَذَنَبُهُ مُسْتَعَارٌ مِنْ وَاحِدَةِ ثَمَرِ الشَّجَرِ.
وَفِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهِ عَقْدُ أَطْرَافِهِ. وَرَجَّحَ الْمُطَرِّزِيُّ إرَادَةَ الْأَوَّلِ هُنَا لِمَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ عَلِيًّا جَلَدَ الْوَلِيدَ بِسَوْطٍ لَهُ طَرَفَانِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً فَكَانَتْ الضَّرْبَةُ ضَرْبَتَيْنِ. وَفِي الْإِيضَاحِ مَا يُوَافِقُهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُضْرَبَ بِسَوْطٍ لَهُ ثَمَرَةٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا ضُرِبَ بِهَا تَصِيرُ كُلُّ ضَرْبَةٍ ضَرْبَتَيْنِ. وَفِي الدِّرَايَةِ: لَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْكُتُبِ لَا ثَمَرَةَ لَهُ: أَيْ لَا عُقْدَةَ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ كَسَرَ ثَمَرَتَهُ لَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَصْلًا، بَلْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْعُقْدَةُ وَإِمَّا تَلْيِينُ طَرَفِهِ بِالدَّقِّ إذَا كَانَ يَابِسًا وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ حَنْظَلَةَ السَّدُوسِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ يُؤْمَرُ بِالسَّوْطِ فَتُقْطَعُ ثَمَرَتُهُ ثُمَّ يُدَقُّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى يَلِينَ ثُمَّ يُضْرَبَ بِهِ. قُلْنَا لَهُ: فِي زَمَنِ مَنْ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا يُضْرَبَ بِهِ وَفِي طَرَفِهِ يُبْسٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجْرَحُ أَوْ يُبْرِحُ فَكَيْفَ إذَا كَانَ فِيهِ عُقْدَةٌ، وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَصَبْت حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا ﵊ بِسَوْطٍ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ شَدِيدٍ لَهُ ثَمَرَةٌ، فَقَالَ: سَوْطٌ دُونَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ لَيِّنٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute