للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْمُبَرِّحِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ لِإِفْضَاءِ الْأَوَّلِ إلَى الْهَلَاكِ وَخُلُوِّ الثَّانِي عَنْ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ (وَتُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) مَعْنَاهُ دُونَ الْإِزَارِ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ، وَلِأَنَّ التَّجْرِيدَ أَبْلَغُ فِي إيصَالِ الْأَلَمِ إلَيْهِ. وَهَذَا الْحَدُّ مَبْنَاهُ عَلَى الشِّدَّةِ فِي الضَّرْبِ وَفِي نَزْعِ الْإِزَارِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فَيَتَوَقَّاهُ (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِأَنَّ الْجَمْعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ. قَالَ (إلَّا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَفَرْجَهُ) «لِقَوْلِهِ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَقْتَلٌ وَالرَّأْسَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ، وَكَذَا الْوَجْهُ وَهُوَ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ أَيْضًا فَلَا يُؤْمَنُ فَوَاتُ شَيْءٍ مِنْهَا بِالضَّرْبِ وَذَلِكَ إهْلَاكٌ مَعْنًى فَلَا يُشْرَعُ حَدًّا.

فَقَالَ: سَوْطٌ فَوْقَ هَذَا، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ سَوْطَيْنِ فَقَالَ: هَذَا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ»

وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ «أَنَّ النَّبِيَّ أُتِيَ بِسَوْطٍ» فَذَكَرَهُ، وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. وَالْحَاصِلُ أَنْ يُجْتَنَبَ كُلٌّ مِنْ الثَّمَرَةِ بِمَعْنَى الْعُقْدَةِ وَمَعْنَى الْفَرْعِ الَّذِي يَصِيرُ ذَنَبَيْنِ تَعْمِيمًا لِلْمُشْتَرِكِ فِي النَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ الْعَدَدَ مِائَةً، وَلَوْ تُجُوِّزَ بِالثَّمَرَةِ فِيمَا يُشَاكِلُ الْعُقْدَةَ لِيَعُمَّ الْمَجَازُ مَا هُوَ يَابِسُ الطَّرَفِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا كَانَ أَوْلَى، فَإِنَّهُ لَا يُضْرَبُ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُدَقَّ رَأْسُهُ فَيَصِيرَ مُتَوَسِّطًا

(قَوْلُهُ بَيْنَ الْمُوجِعِ وَغَيْرِ الْمُؤْلِمِ) فَيَكُونُ مُؤْلِمًا غَيْرَ مُوجِعٍ، فَلَزِمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمُوجِعِ الْمُبَرِّحَ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَقِمْ، وَوَجْهُ هَذَا ظَاهِرٌ. وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ فَخِيفَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ يُجْلَدُ جَلْدًا خَفِيفًا يَحْتَمِلُهُ (قَوْلُهُ وَتُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ) إلَّا الْإِزَارَ لِيَسْتُرَ عَوْرَتَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُتْرَكُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ قَمِيصَانِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْجَلْدِ لَا يَقْتَضِي التَّجْرِيدَ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ زَادَ عَلَيْهِ شَارِحُ الْكَنْزِ فَقَالَ: صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالتَّجْرِيدِ فِي الْحُدُودِ فَأُبْعِدَ عَمَّا قَالَ الْمُخَرِّجُ إنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ عَلِيٍّ بَلْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ. وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ عَنْهُ " أَنَّهُ أَتَى بِرَجُلٍ فِي حَدٍّ فَضَرَبَهُ وَعَلَيْهِ كِسَاءٌ قَسْطَلَّانِيٌّ قَاعِدًا ". وَأَسْنَدَ إلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْمَحْدُودِ: أَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَرْوًا أَوْ مَحْشُوًّا. وَأَسْنَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا يَحِلُّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ تَجْرِيدٌ وَلَا مَدٌّ.

قَوْلُهُ (وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ)؛ لِأَنَّ جَمْعَهُ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قَدْ يُفْسِدُهُ، وَاسْتَثْنَى الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْفَرْجَ. وَذَكَرَ «عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِلَّذِي أَمَرَهُ بِضَرْبِ الْحَدِّ اتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلَمْ يَحْفَظْهُ الْمُخَرِّجُونَ مَرْفُوعًا بَلْ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ " أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ أَوْ فِي حَدٍّ فَقَالَ اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ وَاتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ أُتِيَ بِرَجُلٍ: اضْرِبْ وَأَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ. قَالَ: رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيِّ .

وَلَا شَكَّ أَنَّ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ قَالَ «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ وَالْمَذَاكِيرَ» وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُرَادًا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّا نَقْطَعُ أَنَّ فِي حَالِ قِيَامِ الْحَرْبِ مَعَ الْكُفَّارِ لَوْ تَوَجَّهَ لِأَحَدٍ ضَرْبُ وَجْهِ مَنْ يُبَارِزُهُ وَهُوَ فِي مُقَابَلَتِهِ حَالَةَ الْحَمَلَةِ لَا يَكُفُّ عَنْهُ، إذْ قَدْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْتُلُهُ، فَلَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا مَنْ يُضْرَبُ صَبْرًا فِي حَدٍّ قَتْلًا أَوْ غَيْرَ قَتْلٍ. وَفِي الْقَتْلِ صَرِيحُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ رَجَمَ امْرَأَةً فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ ثُمَّ قَالَ: ارْمُوا وَاتَّقُوا الْوَجْهَ» وَحِينَئِذٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ وَعَلِيٍّ : أَعْطِ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَكَذَا مُخْتَصَرًا عَلَيْهِ عَامٌّ مَخْصُوصٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُرِيدَانِ قَطْعًا ضَرْبَ الْوَجْهِ وَالْمَذَاكِيرِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَعْلُومًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ الْمَخْصُوصِ، عَلَى أَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>