وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ. وَقَدْ شُرِعَ الرَّجْمُ بِالزِّنَا عِنْدَ اسْتِجْمَاعِهَا فَيُنَاطُ بِهِ.
ذَلِكَ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ، وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطُ تَكْمِيلِ الْعُقُوبَةِ لَا شَرْطُ الْإِحْصَانِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَشَرْطُ الدُّخُولِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ ﷺ «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ» وَالثِّيَابَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بِالدُّخُولِ اهـ. وَاخْتُلِفَ فِي اثْنَيْنِ مِنْ هَذِهِ: الْإِسْلَامُ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَكَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مُسَاوِيًا لِلْآخَرِ فِي شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْإِصَابَةِ بِحُكْمِ النِّكَاحِ فَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ أَمَةً أَوْ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ كِتَابِيَّةً وَدَخَلَ بِهَا لَا يَصِيرُ الزَّوْجُ مُحْصَنًا بِهَذَا الدُّخُولِ، حَتَّى لَوْ زَنَى بَعْدَهُ لَا يُرْجَمُ عِنْدَنَا، وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَتْ الْحُرَّةُ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ وَدَخَلَ بِهَا لَا تَصِيرُ مُحْصَنَةً فَلَا تُرْجَمُ لَوْ زَنَتْ. وَلَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمٌ ذِمِّيَّةً فَأَسْلَمَتْ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا فَقَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ: أَيْ أَنْ يَطَأَهَا إذَا زَنَى لَا يُرْجَمُ، وَكَذَا لَوْ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ الَّتِي هِيَ زَوْجَةُ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا لَا يُرْجَمُ لَوْ زَنَى مَا لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ بَلَغَتْ بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ وَهُمَا مُحْصَنَانِ فَارْتَدَّا مَعًا بَطَلَ إحْصَانُهُمَا، فَإِذَا أَسْلَمَا لَا يَعُودُ إحْصَانُهُمَا حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُنَا يَدْخُلُ بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ: يَعْنِي تَكُونُ الصِّحَّةُ قَائِمَةً حَالَ الدُّخُولِ، حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ مَنْ عُلِّقَ طَلَاقُهَا بِتَزَوُّجِهَا يَكُونُ النِّكَاحُ صَحِيحًا، فَلَوْ دَخَلَ بِهَا عَقِيبَهُ لَا يَصِيرُ مُحْصَنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِنَا شَرَائِطُ الْإِحْصَانِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بَيَانِيَّةً: أَيْ الشَّرَائِطُ الَّتِي هِيَ الْإِحْصَانُ، وَكَذَا شَرْطُ الْإِحْصَانِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِحْصَانَ الَّذِي هُوَ شَرْطُ الرَّجْمِ هُوَ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ، فَهِيَ أَجْزَاؤُهُ، وَهُوَ هَيْئَةٌ تَكُونُ بِاجْتِمَاعِهَا فَهِيَ أَجْزَاءُ عِلَّةٍ، وَكُلُّ جُزْءٍ عِلَّةٌ، فَكُلُّ وَاحِدٍ حِينَئِذٍ شَرْطُ وُجُوبِ الرَّجْمِ، وَالْمَجْمُوعُ عِلَّةٌ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الْمُسَمَّى بِالْإِحْصَانِ، وَالشَّرْطُ يَثْبُتُ سَمْعًا أَوْ قِيَاسًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ. لَا يُقَالُ: كَمَا أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ قِيَاسًا فَكَذَا شُرُوطُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: بَلْ يَجِبُ أَنْ تَثْبُتَ شُرُوطُهُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ جَوَازِ نَفْسِ الْحَدِّ إمَّا لِعَدَمِ الْمَعْقُولِيَّةِ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمَا ازْدَادَتْ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَإِثْبَاتُ الشَّرْطِ احْتِيَالٌ لِلدَّرْءِ لَا لِإِيجَابِهِ بَقِيَ الشَّأْنُ فِي تَحْقِيقِهِ، وَقَدْ أَثْبَتَ الْمُصَنِّفُ شَرْطَ اتِّفَاقِهِمَا فِي صِفَةِ الْإِحْصَانِ مَعَ غَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: (وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ) فَإِنَّ مِنْ النِّعَمِ كَوْنَ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مُكَافِئًا لِلْآخَرِ فِي صِفَاتِهِ الشَّرِيفَةِ ثُمَّ قَالَ: (وَقَدْ شُرِعَ الرَّجْمُ بِالزِّنَا عِنْدَ اسْتِجْمَاعِهَا فَيُنَاطُ بِهِ) أَيْ بِاسْتِجْمَاعِهَا، وَإِذَا نِيطَ بِكُلِّهَا يَلْزَمُ أَنْ يَنْتَفِيَ الْحَدُّ بِانْتِفَاءِ كُلٍّ مِنْهَا، وَمِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُ كُلٍّ مِثْلَ الْآخَرِ فَيَلْزَمُ اشْتِرَاطُهُ لِظُهُورِ أَثَرِ وُجُودِ الشُّبْهَةِ فِي دَرْءِ الْحَدِّ، وَعَدَمُ تَمَاثُلِهِمَا شُبْهَةٌ فِي تَصَوُّرِ الصَّارِفِ فَيَنْدَرِئُ بِهِ، وَبَيَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي بَيَانِ كَوْنِهَا مِنْ جَلَائِلِ النِّعَمِ الصَّارِفَةِ عَنْ الزِّنَا بِكَمَالِ انْدِفَاعِ حَاجَتِهِ إلَى الْوَطْءِ عِنْدَهَا، فَكَوْنُهُ بَالِغًا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ لَا تَكْمُلُ فِيهِ رَغْبَةُ الْكَبِيرَةِ وَبِالْعَكْسِ، وَكَذَا الْمَجْنُونَةُ لَا يُرْغَبُ فِيهَا بَلْ هِيَ مَحَلُّ نَفْرَةِ الطِّبَاعِ، وَكَذَا يَنْفِرُ الْمُسْلِمُ عَنْ صُحْبَةِ مَنْ يُفَارِقُهُ فِي دِينِهِ مِنْهُ وَمِنْهَا، وَكَذَا يَرَى الْحُرُّ انْحِطَاطًا بِتَزَوُّجِ الرَّقِيقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute