قَالَ (وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ) فَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ شَرْطٌ لِأَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ إذْ لَا خِطَابَ دُونَهُمَا، وَمَا وَرَاءَهُمَا يُشْتَرَطُ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِوَاسِطَةِ تَكَامُلِ النِّعْمَةِ إذْ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ يَتَغَلَّظُ عِنْدَ تَكَثُّرِهَا،
حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا نَائِبُهُ وَهُوَ الْإِمَامُ، وَهَذَا الِاسْتِدْلَال يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَكَوْنُهُ حَقَّ اللَّهِ فَإِنَّمَا يَسْتَوْفِيهِ نَائِبُهُ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنَّ الِاسْتِنَابَةَ تُعْرَفُ بِالسَّمْعِ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَنَابَ فِي حَقِّهِ الْمُتَوَجِّهِ مِنْهُ عَلَى الْأَرِقَّاءِ مَوَالِيَهُمْ بِالْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَدَلَالَتُهُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِنَفْسِهِ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْإِقَامَةَ بِنَفْسِهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ كَانَ مُمْتَثِلًا فَجَازَ كَوْنُ الْمُرَادِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ لِيَأْمُرَ بِإِقَامَتِهِ، لَكِنْ مَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُعَارِضُ الْمَذْكُورُ لَا يَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ عَلَى الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَقَامَ فُلَانٌ الْحَدَّ عَلَى فُلَانٍ أَوْ جَلَدَ فُلَانٌ فُلَانًا، وَالْمُتَبَادَرُ أَنَّهُ بَاشَرَهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ، عَلَى أَنَّ الْمُتَبَادَرَ أَحَدٌ دَائِرٌ فِيهِمَا لَا فِي ثَلَاثَةٍ وَهُمَا هَذَانِ مَعَ رَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ لِيَحُدَّهُ، نَعَمْ مَنْ اسْتَقَرَّ اعْتِقَادُهُ عَلَى أَنَّ إقَامَةَ الْحُدُودِ إلَى الْإِمَامِ فَالْمُتَبَادَرُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ الْأَخِيرِ بِخُصُوصِهِ
(قَوْلُهُ وَإِحْصَانُ الرَّجْمِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا قَدْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا وَهُمَا عَلَى صِفَةِ الْإِحْصَانِ) قَيَّدَ بِإِحْصَانِ الرَّجْمِ؛ لِأَنَّ إحْصَانَ الْقَذْفِ غَيْرُ هَذَا كَمَا سَيَأْتِي. وَالْإِحْصَانُ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ، قَالَ تَعَالَى ﴿لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ﴾ وَأَطْلَقَ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّارِحِ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَبِمَعْنَى الْعَقْلِ وَبِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ مِنْهُ ﴿أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ وَبِمَعْنَى التَّزْوِيجِ وَبِمَعْنَى الْإِصَابَةِ فِي النِّكَاحِ وَبِمَعْنَى الْعِفَّةِ، يُقَالُ أَحْصَنَتْ: أَيْ عَفَّتْ وَأَحْصَنَهَا زَوْجُهَا.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: الْمُتَقَدِّمُونَ يَقُولُونَ: إنَّ شَرَائِطَ الْإِحْصَانِ سَبْعَةٌ، وَعَدَّ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ قَالَ: فَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَهُمَا شَرْطَا الْأَهْلِيَّةِ لِلْعُقُوبَةِ، وَإِلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute