للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً مُطْلَقَةً عَلَيْهِ كَالْإِمَامِ، بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الْإِمَامُ فَصَارَ كَالتَّعْزِيرِ. وَلَنَا قَوْلُهُ «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ وَذَكَرَ مِنْهَا الْحُدُودَ» وَلِأَنَّ الْحَدَّ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْهَا إخْلَاءُ الْعَالِمِ عَنْ الْفَسَادِ، وَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ فَيَسْتَوْفِيهِ مَنْ هُوَ نَائِبٌ عَنْ الشَّرْعِ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يُعَزَّرُ الصَّبِيُّ، وَحَقُّ الشَّرْعِ مَوْضُوعٌ عَنْهُ.

وَأَعْيَاهُمْ فَحِينَئِذٍ يُمْسَكُ فَيُرْبَطُ، فَإِذَا هَرَبَ فِي الرَّجْمِ، فَإِنْ كَانَ مُقِرًّا لَا يُتْبَعُ وَتُرِكَ، وَإِنْ كَانَ مَشْهُودًا عَلَيْهِ اُتُّبِعَ وَرُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ؛ لِأَنَّ هَرَبَهُ رُجُوعٌ ظَاهِرًا وَرُجُوعُهُ يَعْمَلُ فِي إقْرَارِهِ لَا فِي رُجُوعِ الشُّهُودِ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ صِفَةَ الرَّجْمِ أَنْ يُصَفُّوا ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ كَصُفُوفِ الصَّلَاةِ كُلَّمَا رَجَمَهُ صَفٌّ تَنَحَّوْا. وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ، بَلْ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي قِصَّةِ شُرَاحَةَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَفِيهِ: أَحَاطَ النَّاسُ بِهَا وَأَخَذُوا الْحِجَارَةَ قَالَ: لَيْسَ هَكَذَا الرَّجْمُ إذَنْ يُصِيبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، صُفُّوا كَصَفِّ الصَّلَاةِ صَفًّا خَلْفَ صَفٍّ، إلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ رَجَمَهَا ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَرَجَمَ صَفٌّ ثُمَّ صَفٌّ ثُمَّ صَفٌّ. وَلَا يُقَامُ حَدٌّ فِي مَسْجِدٍ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَلَا تَعْزِيرٌ، إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالتَّأْدِيبِ فِي الْمَسْجِدِ خَمْسَةَ أَسْوَاطٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَقَامَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْحَدَّ فِي الْمَسْجِدِ فَخَطَّأَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ «جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صِبْيَانَكُمْ وَمَجَانِينَكُمْ وَرَفْعَ أَصْوَاتِكُمْ وَشِرَاءَكُمْ وَبَيْعَكُمْ وَإِقَامَةَ حُدُودِكُمْ، وَجَمِّرُوهَا فِي جُمَعِكُمْ وَصُفُّوا عَلَى أَبْوَابِهَا الْمَطَاهِرَ» وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَحْدُودِ فَيَجِبُ نَفْيُهُ عَنْ الْمَسْجِدِ

(قَوْلُهُ وَلَا يُقِيمُ الْمَوْلَى الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يُقِيمُهُ بِلَا إذْنٍ، وَعَنْ مَالِكٍ إلَّا فِي الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ. وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ امْرَأَةً. وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَتْلًا بِسَبَبِ الرِّدَّةِ أَوْ قَطْعَ الطَّرِيقِ أَوْ قَطْعًا لِلسَّرِقَةِ، فَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَهُمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ نَعَمْ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ، وَفِي التَّهْذِيبِ: الْأَصَحُّ أَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ إلَى الْإِمَامِ لَهُمْ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ: إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ. وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ. وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْزِيرَهُ صِيَانَةً لِمِلْكِهِ عَنْ الْفَسَادِ فَكَذَا الْحَدُّ، وَلِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً مُطْلَقَةً عَلَيْهِ حَتَّى مَلَكَ مِنْهُ مَا لَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَمِلْكُهُ لِلْإِقَامَةِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْإِمَامِ.

وَلَنَا مَا رَوَى الْأَصْحَابُ فِي كُتُبِهِمْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «أَرْبَعٌ إلَى الْوُلَاةِ: الْحُدُودُ، وَالصَّدَقَاتُ. وَالْجُمُعَاتُ، وَالْفَيْءُ» وَلِأَنَّ الْحَدَّ خَالِصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>