لِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفُ الْعَوْرَةِ وَالْفَرْوُ وَالْحَشْوُ يَمْنَعَانِ وُصُولَ الْأَلَمِ إلَى الْمَضْرُوبِ وَالسَّتْرُ حَاصِلٌ بِدُونِهِمَا فَيُنْزَعَانِ (وَتُضْرَبُ جَالِسَةً) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا (وَإِنْ حُفِرَ لَهَا فِي الرَّجْمِ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ ﵊ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثُنْدُوَتِهَا، وَحَفَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِشُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ وَإِنْ تَرَكَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ ﵊ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ وَهِيَ مَسْتُورَةٌ بِثِيَابِهَا، وَالْحَفْرُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَيُحْفَرُ إلَى الصَّدْرِ لِمَا رَوَيْنَا (وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ)؛ لِأَنَّهُ ﵊ مَا حَفَرَهُ لِمَاعِزٍ، وَلِأَنَّ مَبْنَى الْإِقَامَةِ عَلَى التَّشْهِيرِ فِي الرِّجَالِ، وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ
الْجَلْدُ، وَكَذَلِكَ فِي ظُهُورِ الزِّنَا عِنْدَ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ يَكُونُ عَلَى مَا شُرِطَ. وَقَوْلُهُ: غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إلَخْ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: سَوَاءٌ فَلَا يُنْزَعُ عَنْ الْمَرْأَةِ ثِيَابُهَا إلَّا الْمَحْشُوِّ وَالْفَرْوِ (وَلِأَنَّ فِي تَجْرِيدِهَا كَشْفَ الْعَوْرَةِ)؛ لِأَنَّ بَدَنَهَا كُلَّهُ عَوْرَةٌ إلَّا مَا عُرِفَ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ (وَتُضْرَبُ) الْمَرْأَةُ (جَالِسَةً لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي مِنْ كَلَامِ عَلِيٍّ (وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا) قَوْلُهُ (وَإِنْ حَفَرَ لَهَا فِي الرَّجْمِ جَازَ) لِهَذَا وَلِذَلِكَ حَفَرَ ﵊ لِلْغَامِدِيَّةِ إلَى ثُنْدُوَتِهَا. وَالثَّنْدُوَةُ بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْهَمْزَةِ مَكَانَ الْوَاوِ وَبِفَتْحِهَا مَعَ الْوَاوِ مَفْتُوحَةً، وَالدَّالُ مَضْمُومَةٌ فِي الْوَجْهَيْنِ: ثَدْيُ الرَّجُلِ أَوْ لَحْمُ الثَّدْيَيْنِ، وَمَا قِيلَ الثَّدْيُ لِلْمَرْأَةِ وَالثَّنْدُوَةُ لِلرَّجُلِ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ بِحَدِيثِ الَّذِي وَضَعَ سَيْفَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ (وَلِذَا حَفَرَ عَلِيٌّ لِشُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةِ) بِسُكُونِ الْمِيمِ وَهِيَ قَبِيلَةٌ كَانَتْ عَيْبَةَ عَلِيٍّ، وَقَدْ مَدَحَهُمْ وَقَالَ فِي مَدِيحِهِ لَهُمْ:
فَلَوْ كُنْت بَوَّابًا عَلَى بَابِ جَنَّةٍ … لَقُلْت لِهَمْدَانَ اُدْخُلِي بِسَلَامِ
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ شُرَاحَةَ وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ حَفَرَ لَهَا إلَى السُّرَّةِ. ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَإِنْ تَرَكَ) الْحَفْرَ (لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ) يَعْنِي لَمْ يُوجِبْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ هُوَ الْإِيجَابُ، وَقَالَ: إنَّهُ ﵊ حَفَرَ لِلْغَامِدِيَّةِ.
وَمَعْلُومٌ أَنْ لَيْسَ الْمُرَادُ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ فَيَكُونُ مَجَازًا عَنْ أَمْرِهِ، وَإِلَّا كَانَتْ مُنَاقَضَةً غَرِيبَةً، فَإِنَّ مِثْلَهَا إنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ بُعْدِ الْعَهْدِ، أَمَّا مَعَهُ فِي سَطْرٍ وَاحِدٍ فَغَرِيبٌ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْفِرُ لِلرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ ﵊ لَمْ يَحْفِرْ لِمَاعِزٍ) تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَتِهِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ حَفَرَ لَهُ وَهُوَ مُنْكَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ وَالرِّوَايَاتِ الْكَثِيرَةَ الْمُتَضَافِرَةَ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْحَدِّ عَلَى التَّشْهِيرِ فِي الرِّجَالِ) لَا حَاجَةَ إلَى التَّخْصِيصِ، بَلْ الْحَدُّ مُطْلَقًا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّشْهِيرِ، غَيْرَ أَنَّهُ يُزَادُ فِي شُهْرَتِهِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَيَكْتَفِي فِي الْمَرْأَةِ بِالْإِخْرَاجِ وَالْإِتْيَانِ بِهَا إلَى مُجْتَمَعِ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ وَخُصُوصًا فِي الرَّجْمِ. وَأَمَّا فِي الْجَلْدِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ الزَّانِيَةَ وَالزَّانِي، فَاسْتُحِبَّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ طَائِفَةً: أَيْ جَمَاعَةً أَنْ يَحْضُرُوا إقَامَةَ الْحَدِّ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاحِدَةٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَإِسْحَاقُ اثْنَانِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ثَلَاثَةٌ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَشَرَةٌ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ أَرْبَعَةٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَالرَّبْطُ وَالْإِمْسَاكُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ) فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ تَجْرِيدٌ وَلَا مَدٌّ، وَلِأَنَّ مَاعِزًا انْتَصَبَ لَهُمْ قَائِمًا لَمْ يُمْسَكْ وَلَمْ يُرْبَطْ، إلَّا أَنْ لَا يَصْبِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute