للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُمَدَّ كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ السَّوْطَ فَيَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ بَعْدَ الضَّرْبِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يُفْعَلُ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ

(وَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ جَلْدَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنْقِصٌ لِلنِّعْمَةِ فَيَكُونُ مُنْقِصًا لِلْعُقُوبَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عِنْدَ تَوَافُرِ النِّعَمِ أَفْحَشُ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى التَّغْلِيظِ

(وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ)؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ تَشْمَلُهُمَا (غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُنْزَعُ مِنْ ثِيَابِهَا إلَّا الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ)

كَمَا يُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّ السَّوْطُ بِأَنْ يَرْفَعَهُ الضَّارِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ أَنْ يَمُدَّهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ عَلَى جَسَدِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْجَسَدِ) وَفِيهِ زِيَادَةُ أَلَمٍ وَقَدْ يُفْضِي إلَى الْجُرْحِ (وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يُفْعَلُ) فَلَفْظُ مَمْدُودٍ مُعَمَّمٌ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ؛ لِأَنَّهُ فِي النَّفْيِ فَجَازَ تَعْمِيمُهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَقِفْ وَيَصْبِرْ لَا بَأْسَ بِرَبْطِهِ عَلَى أُسْطُوَانَةٍ أَوْ يُمْسَكُ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَبْدًا جَلَدَهُ خَمْسِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ نَزَلَتْ فِي الْإِمَاءِ) وَهُوَ أَيْضًا مِمَّا يُعْرَفُ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِتَنْقِيحِ الْمَنَاطِ فَيَرْجِعُ بِهِ إلَى دَلَالَةِ النَّصِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلَالَةِ أَوْلَوِيَّةُ الْمَسْكُوتِ بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَذْكُورِ، بَلْ الْمُسَاوَاةُ تَكْفِي فِيهِ.

وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَدْخُلُونَ بِطَرِيقِ التَّغْلِيبِ عَكْسُ الْقَاعِدَةِ وَهِيَ تَغْلِيبُ الذُّكُورِ وَالنَّصُّ عَلَيْهِنَّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كَانَ فِي تَزَوُّجِ الْإِمَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ ثُمَّ تَمَّمَ حُكْمَهُنَّ إذَا زَنَيْنَ، وَلِأَنَّ الدَّاعِيَةَ فِيهِنَّ أَقْوَى وَهُوَ حِكْمَةُ تَقْدِيمِ الزَّانِيَةِ عَلَى الزَّانِي فِي الْآيَةِ، وَهَذَا الشَّرْطُ: أَعْنِي الْإِحْصَانَ لَا مَفْهُومَ لَهُ، فَإِنَّ عَلَى الْأَرِقَّاءِ نِصْفَ الْمِائَةِ أَحْصَنُوا أَوْ لَمْ يُحْصِنُوا. وَأَسْنَدَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدٍ بْنِ خَالِدَ الْجُهَنِيَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ قَالَ: إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ وَهُوَ الْحَبْلُ» وَالْقَائِلُونَ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ يُجَوِّزُونَ أَنْ لَا يُرَادَ بِدَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَنْ أَحْصَنَ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ» وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا حَتَّى تُحْصِنَ بِزَوْجٍ، وَعَلَى هَذَا هُوَ مُعْتَبَرُ الْمَفْهُومِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَقُرِئَ إذَا أَحْصَنَ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَتُؤُوِّلَ عَلَى مَعْنَى أَسْلَمْنَ، وَحِينَ أَلْزَمَ سُبْحَانَهُ نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ إذَا أَحْصَنَّ لَزِمَ أَنْ لَا رَجْمَ عَلَى الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ، وَلِأَنَّ الرِّقَّ مُنَصِّفٌ لِلنِّعْمَةِ فَتَنْقُصُ الْعُقُوبَةُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عِنْدَ تَوَافُرِ النِّعَمِ أَفْحَشُ فَيَكُونُ أَدْعَى إلَى التَّغْلِيظِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾

(قَوْلُهُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) لِشُمُولِ النُّصُوصِ إيَّاهُمَا، فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْصَنًا رُجِمَ وَإِلَّا فَعَلَى كُلٍّ الْجَلْدُ، أَوْ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا فَعَلَى الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ وَعَلَى الْآخَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>