للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ فِي التَّغْرِيبِ فَتْحَ بَابِ الزِّنَا لِانْعِدَامِ الِاسْتِحْيَاءِ مِنْ الْعَشِيرَةِ ثُمَّ فِيهِ قَطْعُ مَوَادِّ الْبَقَاءِ، فَرُبَّمَا تَتَّخِذُ زِنَاهَا مَكْسَبَةً وَهُوَ مِنْ أَقْبَحِ وُجُوهِ الزِّنَا، وَهَذِهِ الْجِهَةُ مُرَجَّحَةٌ لِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةٌ، وَالْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ كَشَطْرِهِ،

شَارِعًا فِي بَيَانِ حُكْمِ الزِّنَا مَا هُوَ. فَكَانَ الْمَذْكُورُ تَمَامَ حُكْمِهِ وَإِلَّا كَانَ تَجْهِيلًا، إذْ يُفْهَمُ أَنَّهُ تَمَامُ الْحُكْمِ وَلَيْسَ تَمَامَهُ فِي الْوَاقِعِ فَكَانَ مَعَ الشُّرُوعِ فِي الْبَيَانِ أَبْعَدَ مِنْ تَرْكِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّهُ يُوقِعُ فِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ وَذَلِكَ فِي الْبَسِيطِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمَفْهُومُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ جَزَاءً لِلشَّرْطِ فَيُفِيدُ أَنَّ الْوَاقِعَ هَذَا فَقَطْ، فَلَوْ ثَبَتَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ كَانَ شُبْهَةً مُعَارِضَةً لَا مُثْبِتَةً لِمَا سَكَتَ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ الْمَمْنُوعَةُ. وَأَمَّا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إثْبَاتُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ الْقُرْآنُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وَإِلَّا بَطَلَتْ أَكْثَرُ السُّنَنِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ نَسْخًا وَتَسْمِيَتُهَا نَسْخًا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ، وَلِذَا زِيدَ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا الْإِحْدَادُ عَلَى الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَهُوَ التَّرَبُّصُ، فَهُوَ يُفِيدُ عَدَمَ مَعْرِفَةِ الِاصْطِلَاحِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الزِّيَادَةِ إثْبَاتَ مَا لَمْ يُثْبِتْهُ الْقُرْآنُ وَلَمْ يَنْفِهِ.

لَا يَقُولُ بِهَذَا عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ عَالِمٍ، بَلْ تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْإِطْلَاقَ مِمَّا يُرَادُ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمُطْلَقِ، وَبِاللَّفْظِ يُفَادُ الْمَعْنَى، فَأَفَادَ أَنَّ الْإِطْلَاقَ مُرَادٌ وَبِالتَّقْيِيدِ يَنْتَفِي حُكْمُهُ عَنْ بَعْضِ مَا أَثْبَتَهُ فِيهِ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ. ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا نَسْخٌ، وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ، وَظَنَّ الْمُعْتَرِضُ أَنَّ الْإِحْدَادَ زِيَادَةُ غَلَطٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَقْيِيدًا لِلتَّرَبُّصِ وَإِلَّا لَوْ تَرَبَّصَتْ وَلَمْ تُحَدَّ فِي تَرَبُّصِهَا حَتَّى انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ الْعِدَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَكُونُ عَاصِيَةً بِتَرْكِ وَاجِبٍ فِي الْعِدَّةِ، فَإِنَّمَا أَثْبَتَ الْحَدِيثَ وَاجِبًا لَا أَنَّهُ قَيَّدَ مُطْلَقَ الْكِتَابِ. نَعَمْ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ اتِّفَاقًا، وَالْمُصَنِّفُ عَدَلَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إلَى ادِّعَاءِ نَسْخِ هَذَا الْخَبَرِ مُسْتَأْنِسًا لَهُ بِنَسْخِ شَطْرِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>