. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الثَّانِي وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى الْجَمِيعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ فَكَذَا نِصْفُهُ الْآخَرُ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ تُرْوَى جُمَلٌ بَعْضُهَا نُسِخَ وَبَعْضُهَا لَا. وَلَوْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ وَادَّعَى أَنَّهُ آحَادٌ لَا مَشْهُورٌ وَتَلَقِّي الْأُمَّةِ بِالْقَبُولِ إنْ كَانَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ فَمَمْنُوعٌ لِظُهُورِ الْخِلَافِ، وَإِنْ كَانَ إجْمَاعُهُمْ عَلَى صِحَّتِهِ بِمَعْنَى صِحَّةِ سَنَدِهِ فَكَثِيرٌ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ كَذَلِكَ فَلَمْ تَخْرُجْ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهَا آحَادًا، وَقَدْ خُطِّئَ مَنْ ظَنَّهُ يَصِيرُ قَطْعِيًّا فَادَّعَى فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ذَلِكَ وَغَلِطَ عَلَى مَا يُعْرَفُ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِذَا كَانَ آحَادًا وَقَدْ تَطَرَّقَ إلَيْهِ احْتِمَالُ النَّسْخِ بِقَرِينَةِ نَسْخِ شَطْرِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَنْ الْآحَادِ الَّتِي لَمْ يَتَطَرَّقْ ذَلِكَ إلَيْهَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يُنْسَخَ بِهِ مَا أَفَادَهُ الْكِتَابُ مِنْ أَنَّ جَمِيعَ الْمُوجِبِ الْجَلْدُ فَإِنَّهُ يُعَارِضُهُ فِيهِ، لَا أَنَّ الْكِتَابَ سَاكِتٌ عَنْ نَفْيِ التَّغْرِيبِ فَكَيْفَ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ التَّغْرِيبِ بِطَرِيقِ الْحَدِّ، فَإِنَّ أَقْصَى مَا فِيهِ دَلَالَةُ قَوْلِهِ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَهُوَ عَطْفُ وَاجِبٍ عَلَى وَاجِبٍ وَهُوَ لَا يَقْتَضِيهِ، بَلْ مَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَضَى فِيمَنْ زَنَى وَلَمْ يُحْصِنْ بِنَفْيِ عَامٍ» وَإِقَامَةُ الْحَدِّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ النَّفْيَ لَيْسَ فِي الْحَدِّ لِعَطْفِهِ عَلَيْهِ، وَكَوْنُهُ اسْتَعْمَلَ الْحَدَّ فِي جُزْءِ مُسَمَّاهُ وَعَطَفَهُ عَلَى الْجُزْءِ الْآخَرِ بَعِيدٌ وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُهُ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ الْأَلْفَاظِ لَا يُفِيدُهُ فَجَازَ كَوْنُهُ تَغْرِيبًا لِمَصْلَحَةٍ.
وَأَمَّا مَالِكٌ ﵀ فَرَأَى أَنَّ الْحَدِيثَ مَا دَلَّ إلَّا عَلَى الرَّجُلِ بِقَوْلِهِ «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ» فَلَمْ تَدْخُلْ الْمَرْأَةُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُثْبِتُ الْأَحْكَامَ فِي النِّسَاءِ بِالنُّصُوصِ الْمُفِيدَةِ إيَّاهَا لِلرِّجَالِ بِتَنْقِيحِ الْمُنَاطِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ نَفْسَ الْحَدِيثِ يَجِبُ أَنْ يَشْمَلَهُنَّ فَإِنَّهُ قَالَ «خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ» الْحَدِيثَ، فَنَصَّ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ وَالْجَلْدَ سَبِيلٌ لَهُنَّ، وَالْبِكْرُ يُقَالُ عَلَى الْأُنْثَى؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ «الْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ» ثُمَّ عَارَضَ مَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْمَعْنَى بِأَنَّ فِي النَّفْيِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ لِانْفِرَادِهَا عَنْ الْعَشِيرَةِ وَعَمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُمْ إنْ كَانَ لَهَا شَهْوَةٌ قَوِيَّةٌ فَتَفْعَلُهُ، وَقَدْ تَفْعَلُهُ لِحَامِلٍ آخَرَ وَهُوَ حَاجَتُهَا إلَى مَا يَقُومُ بِأَوَدِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى فِي إفْضَائِهِ إلَى الْفَسَادِ أَرْجَحُ مِمَّا ذَكَرَهُ مِنْ إفْضَاءِ قِلَّةِ الْمَعَارِفِ إلَى عَدَمِ الْفَسَادِ خُصُوصًا فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ لِمَنْ يُشَاهِدُ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي الْبِكْرِ يَزْنِي بِالْبِكْرِ يُجْلَدَانِ مِائَةً وَيُنْفَيَانِ سَنَةً. قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁: حَسْبُهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: غَرَّبَ عُمَرُ ﵁ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا. نَعَمْ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْإِمَامِ مَصْلَحَةٌ فِي التَّغْرِيبِ تَعْزِيرًا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَهُوَ مَحْمَلُ التَّغْرِيبِ الْوَاقِعِ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَلِلصَّحَابَةِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. فَفِي التِّرْمِذِيِّ: حَدَّثَنَا كُرَيْبٌ وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ» إلَّا أَنَّهُ قَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ فَرَفَعُوهُ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ الْحَدِيثَ. وَهَكَذَا رُوِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute