للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الْعَجُوزِ، وَلَكِنْ يُرَدُّ عَلَى عَكْسِهِ زِنَا الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ زِنًا وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ جِنْسُ التَّعْرِيفِ. وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ زِنَاهَا يَدْخُلُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ بِسَبَبِ التَّمْكِينِ طَوْعًا، إنْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا زِنًا حَقِيقَةً وَأَنَّ ذَلِكَ التَّمْكِينَ هُوَ مُسَمَّى زِنًا لُغَةً وَتُسَمَّى هِيَ زَانِيَةً حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً بِالتَّمْكِينِ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا يَشْمَلُهُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ وَطْءُ الْمُكَلَّفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ عَيْنَ تَمْكِينِ الْمَرْأَةِ فَفَسَادُ الْحَدِّ بِحَالِهِ.

وَكَوْنُ فِعْلِهَا تَبَعًا لِفِعْلِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، وَالْكَلَامُ فِي تَنَاوُلِ اللَّفْظِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهَا لَا تُسَمَّى زَانِيَةً حَقِيقَةً أَصْلًا وَأَنَّ تَسْمِيَتَهَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنَّهُ تَبَعٌ بَلْ لَا يَجُوزُ إدْخَالُهُ فِي التَّعْرِيفِ. وَعَلَى هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ وَالْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ مَا إذَا مَكَّنَتْ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْمُسْلِمَةُ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُحَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَبِمَا ذَكَرْنَا يَظْهَرُ فَسَادُ مَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ فِعْلَ الْوَطْءِ أَمْرٌ مُشْتَرِكٌ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا وُجِدَ فِعْلُ الْوَطْءِ بَيْنَهُمَا يَتَّصِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِهِ وَتُسَمَّى هِيَ وَاطِئَةً وَلِذَا سَمَّاهَا سُبْحَانَهُ زَانِيَةً. وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِيرَادِ الْمَذْكُورِ عَلَى التَّعْرِيفِ مُغَالَطَةٌ، وَالْقَطْعُ بِأَنَّ وَطْأَهُ لَيْسَ يَصْدُقُ عَلَى تَمْكِينِهَا بِهُوَ هُوَ، فَإِذَا جَعَلَ الْجِنْسَ وَطْءَ الرَّجُلِ فَكَيْفَ يَنْتَظِمُ اللَّفْظُ تَمْكِينَ الْمَرْأَةِ وَكَوْنُ الْفِعْلِ الْجُزْئِيِّ الْخَارِجِيِّ إذَا وُجِدَ مِنْ الرَّجُلِ فِي الْخَارِجِ يَسْتَدْعِي فِعْلًا آخَرَ مِنْهَا إذَا كَانَتْ طَائِعَةً لَا يَقْتَضِي أَنَّ اللَّفْظَ الْخَاصَّ بِفِعْلِهِ يَشْمَلُهُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

فَالْحَقُّ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ زَانِيَةً حَقِيقَةً وَأُرِيدَ شُمُولُ التَّعْرِيفِ لِزِنَاهَا فَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةِ قَوْلِهِ أَوْ تَمْكِينِهَا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُقَالُ: إدْخَالُ الْمُكَلَّفِ الطَّائِعِ قَدْرَ حَشَفَتِهِ قُبُلَ مُشْتَهَاةٍ حَالًا أَوْ مَاضِيًا بِلَا مِلْكٍ وَشُبْهَةٍ أَوْ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ تَمْكِينُهَا لِيَصْدُقَ عَلَى مَا لَوْ كَانَ مُسْتَلْقِيًا فَقَعَدَتْ عَلَى ذَكَرِهِ فَتَرَكَهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ فَإِنَّهُمَا يُحَدَّانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَيْسَ الْمَوْجُودُ مِنْهُ سِوَى التَّمْكِينِ.

وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ إلَخْ تَعْلِيلٌ لِأَخْذِ عَدَمِ الْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ فِي الزِّنَا: أَيْ إنَّمَا شُرِطَ ذَلِكَ لِأَنَّ الزِّنَا مَحْظُورٌ فَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ يُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ: أَيْ يُؤَيِّدُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَفَادَ عَدَمَ الْحُرْمَةِ الْمُطْلَقَةِ بِسَبَبِ دَرْءِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ أَفَادَ عَدَمَهَا، وَدَرْءُ الْحَدِّ عِنْدَ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرِكَةِ بِطَرِيقٍ أَوْلَى فَهُوَ بِدَلَالَتِهِ، ثُمَّ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قِيلَ لَمْ يُحْفَظْ مَرْفُوعًا، وَذُكِرَ أَنَّهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَلِيٍّ ، وَهُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» وَأَسْنَدَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَأَنْ أُعَطِّلَ الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَهَا بِالشُّبُهَاتِ.

وَأُخْرِجَ عَنْ مُعَاذٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالُوا: إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْك الْحَدُّ فَادْرَأْهُ. وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ أَصْحَابِهِمْ الظَّاهِرِيَّةِ أَنَّ الْحَدَّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَحِلُّ أَنْ يُدْرَأَ بِشُبْهَةٍ، وَشَنَّعَ بِأَنَّ الْآثَارَ الْمَذْكُورَةَ لِإِثْبَاتِ الدَّرْءِ بِالشُّبُهَاتِ لَيْسَ فِيهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْءٌ بَلْ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مِنْ طُرُقٍ لَا خَيْرَ فِيهَا، وَأَعَلَّ مَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِمَّا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ بِالْإِرْسَالِ وَهُوَ غَيْرُ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَإِنَّهَا مَعْلُولَةٌ بِإِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ.

وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ «وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الْإِثْمِ أَوْ شَكَّ أَنْ يُوقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ تَعَالَى» مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّ مَنْ جَهِلَ حُرْمَةَ شَيْءٍ وَحِلَّهُ فَالْوَرَعُ أَنْ يُمْسِكَ عَنْهُ، وَمَنْ جَهِلَ وُجُوبَ أَمْرٍ وَعَدَمَهُ فَلَا يُوجِبُهُ، وَمَنْ جَهِلَ أَوْجَبَ الْحَدَّ أَمْ لَا وَجَبَ أَنْ يُقِيمَهُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْإِرْسَالَ لَا يَقْدَحُ، وَإِنَّ الْمَوْقُوفَ فِي هَذَا لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>