ثُمَّ الشُّبْهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا يَأْتِيك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، إذَا عَرَفْنَا هَذَا
(وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ حُدَّ) لِزَوَالِ الْمِلْكِ الْمُحَلَّلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَتَكُونُ الشُّبْهَةُ مُنْتَفِيَةً
لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشُّبْهَةُ وَهِيَ هَاهُنَا قَائِمَةٌ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ: أَيْ الْحُرْمَةِ الْقَائِمَةِ فِيهَا شُبْهَةُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ نَظَرًا إلَى دَلِيلِ الْحِلِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَنَحْوُهُ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا. وَفِي الْإِيضَاحِ فِي الْمَرْهُونَةِ إذَا قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي ذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَفِي كِتَابِ الْحُدُودِ يُحَدُّ، فَلَا يُعْتَبَرُ ظَنُّهُ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ مِنْ عَيْنِهَا بَلْ مِنْ مَعْنَاهَا، فَلَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ حَاصِلًا فِي مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ أَصْلًا فَلَا شُبْهَةَ فِعْلٍ وَصَارَ كَالْغَرِيمِ إذَا وَطِئَ جَارِيَةَ الْمَيِّتِ.
وَجْهُ عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا وَمَالِكًا بِالْهَلَاكِ مِنْ وَقْتِ الرَّهْنِ فَصَارَ كَجَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ.
وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْحُدُودِ أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يُفِيدُ مِلْكَ الْمُتْعَةِ بِحَالٍ فَهِيَ كَالْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْخِدْمَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ، وَإِنْ اشْتَبَهَ إلَّا أَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ سَبَبٌ لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّهْنِ سَبَبًا، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ سَبَبًا لِمِلْكِ الْمُتْعَةِ وَبِخِلَافِ الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ حَالَ قِيَامِ الْجَارِيَةِ، بِخِلَافِ الْمَرْهُونَةِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إلَّا مَعَ هَلَاكِهَا، فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ مِلْكِهَا سَبَبًا لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فَكَانَ كَمِلْكِ الْمَنْفَعَةِ. هَذَا وَقَدْ دَخَلَ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ صُوَرٌ مِثْلُ وَطْءِ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ وَمُكَاتَبِهِ وَوَطْءِ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَاَلَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ جَارِيَتَهُ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَارِيَتَهُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَالِاسْتِقْرَاءُ يُفِيدُك غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا كَالزَّوْجَةِ الَّتِي حَرُمَتْ بِرِدَّتِهَا أَوْ بِمُطَاوَعَتِهَا لِابْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ أُمَّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى قَاذِفِهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ فَاسْتُحْسِنَ أَنْ يُدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدُّ فَالِاقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ
(قَوْلُهُ ثُمَّ الشُّبْهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَعِنْدَ الْبَاقِينَ لَا تَثْبُتُ هَذِهِ الشُّبْهَةُ إذَا عَلِمَ بِتَحْرِيمِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ) فَصَارَتْ الشُّبْهَةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةً: شُبْهَةُ الْفِعْلِ، وَشُبْهَةُ الْمَحَلِّ، وَشُبْهَةُ الْعَقْدِ، وَكَذَا قَسَّمَهَا فِي الْمُحِيطِ. وَذَكَرَ فِي شُبْهَةِ الْعَقْدِ أَنْ يَطَأَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا وَهِيَ أَمَةٌ أَوْ وَطِئَ الْعَبْدُ مَنْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ. قَالَ: وَلَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ خَمْسًا فِي عَقْدٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ بِوَطْءٍ وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ الْحَدُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute