وَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ بِانْتِفَاءِ الْحِلِّ وَعَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ، وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لَا اخْتِلَافٌ، وَلَوْ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ قَائِمٌ فِي حَقِّ النَّسَبِ وَالْحَبْسِ وَالنَّفَقَةِ فَاعْتُبِرَ ظَنُّهُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا وَالْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُطَلَّقَةِ الثَّلَاثَ لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيَامِ بَعْضِ الْآثَارِ فِي الْعِدَّةِ
(وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ بَرِّيَّةٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَمْ يُحَدَّ) لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ ﵃ فِيهِ؛ فَمِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي سَائِرِ الْجِنَايَاتِ
قَوْلُهُ وَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ بِانْتِفَاءِ الْمَحَلِّ) إذْ قَالَ تَعَالَى ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ يَعْنِي الثَّالِثَةَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ (وَعَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعُ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْمُخَالِفِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَحَلِّ وَهُمْ الْإِمَامِيَّةُ وَالزَّيْدِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ بِكَلِمَةٍ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ فَتَكُونُ حَلَالًا لِزَوْجِهَا (لِأَنَّهُ خِلَافٌ) بَعْدَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ فَلَا يُعْتَبَرُ (لَا اخْتِلَافٌ) كَائِنٌ بَيْنَ الْأُمَّةِ حَالَ تَرَدُّدِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَهُمْ قَبْلَ تَقَرُّرِ الْإِجْمَاعِ لِيُعْتَبَرَ، وَهَذَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ تَقَرَّرَ فِي زَمَنِ عُمَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي أَنَّهَا تَكُونُ وَاحِدَةً يَجِبُ كَوْنُهَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً إلَى آخِرِ مَا يُعْلَمُ فِيمَا أَسْلَفْنَاهُ، وَصَحَّ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ وُقُوعُ الثَّلَاثِ خِلَافَ مَا نَقَلُوا عَنْهُ. ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْمُصَنِّفِ بِالْفَاءِ قَوْلَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْإِجْمَاعِ لَا عَلَى الْمَجْمُوعِ مِنْهُ وَمِنْ قَوْلِهِ نَطَقَ الْكِتَابُ بِانْتِفَاءِ الْحِلِّ لِأَنَّ مَحَلَّ انْتِفَاءِ الْحِلِّ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا أَوْقَعَ الثَّالِثَةَ بَعْدَ تَقَدُّمِ ثِنْتَيْنِ، وَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهَا، إنَّمَا خِلَافُهُمْ فِي الثَّلَاثِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ هُوَ مُتَنَاوَلَ النَّصِّ
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمِلْكِ قَائِمٌ) بِقِيَامِ الْعِدَّةِ حَتَّى يَثْبُتَ النَّسَبُ إذَا وَلَدَتْ، وَلَهُ حَبْسُهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَلِذَا يَحْرُمُ عِنْدَنَا نِكَاحُ أُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا وَتَمْتَنِعُ شَهَادَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَأَمْكَنَ أَنْ نَقِيسَ حِلَّ الْوَطْءِ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَنَجْعَلَ الِاشْتِبَاهَ عَلَيْهِ عُذْرًا فِي سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي أَوْ جَارِيَةً أَجْنَبِيَّةً عَلَى مَا يَأْتِي لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ (قَوْلُهُ وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا) وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ (وَالْمُخْتَلِعَةُ وَالْمُطَلَّقَةُ عَلَى مَالٍ كَالْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْإِجْمَاعِ) يُرِيدُ حُرْمَةَ أَنْ يَطَأَهَا فِي الْعِدَّةِ، بِخِلَافِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي حُرْمَتِهِ،
وَبِخِلَافِ مَا إذَا طَلَّقَهَا بِالْكِنَايَةِ كَأَنْ (قَالَ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ أَمْرُك بِيَدِك فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا) وَنَحْوُهُ (ثُمَّ وَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يُحَدُّ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ) فِي الْكِنَايَةِ (فَمِنْ مَذْهَبِ عُمَرَ أَنَّهَا) أَيْ الْكِنَايَاتِ (رَجْعِيَّةٌ) وَكَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. فَفِي مُصَنِّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ: جَاءَ إلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ امْرَأَتِي كَلَامٌ فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ الَّذِي بِيَدِك مِنْ أَمْرِي بِيَدِي لَعَلِمْت كَيْفَ أَصْنَعُ، قَالَ: فَقُلْت لَهَا: قَدْ جَعَلْت أَمْرَك بِيَدِك فَقَالَتْ: أَنَا طَالِقٌ ثَلَاثًا. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَرَاهَا وَاحِدَةً وَأَنْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute