وَكَذَا إذَا نَوَى ثَلَاثًا لِقِيَامِ الِاخْتِلَافِ مَعَ ذَلِكَ
(وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ) لِأَنَّ الشُّبْهَةَ حُكْمِيَّةٌ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ دَلِيلٍ وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «أَنْتِ وَمَالُك لِأَبِيك» وَالْأُبُوَّةُ
أَحَقُّ بِالرَّجْعَةِ، وَسَأَلْنَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ ﵁ فَقَالَ: مَاذَا قُلْت؟ قَالَ: قُلْت أَرَاهَا وَاحِدَةً وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ، وَزَادَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ: وَلَوْ رَأَيْت غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ تُصِبْ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا فِي مُصَنَّفِهِ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الْبَرِّيَّةِ وَالْخَلِيَّةِ هِيَ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَجْعَتِهَا. وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ﵄ كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَرْأَةِ إذَا خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْهُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ وَزَوْجُهَا أَمْلَكُ بِهَا.
وَمِنْ مَذْهَبِ عَلِيٍّ فِي خَلِيَّةٍ وَبَرِّيَّةٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَنْ غَيْرِهِمْ فِيهَا أَنَّهَا وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ، وَبِهَذَا يُعْرَفُ خَطَأُ مَنْ بَحَثَ فِي الْمُخْتَلِعَةِ وَقَالَ: يَنْبَغِي كَوْنُهَا مِنْ ذَوَاتِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي الْخُلْعِ، وَهَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي كَوْنِهِ فَسْخًا أَوْ طَلَاقًا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى مَالٍ تَقَعُ فُرْقَتُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، وَكَذَا لَوْ نَوَى ثَلَاثًا بِالْكِنَايَةِ فَوَقَعْنَ فَوَطِئَهَا فِي الْعِدَّةِ عَنْ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَالَ عَلِمْت أَنَّهَا حَرَامٌ لَا يُحَدُّ لِتَحَقُّقِ الِاخْتِلَافِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ، وَعُرِفَ أَنَّ تَحَقُّقَهَا لِقِيَامِ الدَّلِيلِ، وَالثَّابِتُ هُنَا قِيَامُ الْخِلَافِ، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ أَبُو حَنِيفَةَ حَتَّى لَمْ يُخَفِّفْ النَّجَاسَةَ بِهِ؛ فَوَجْهُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُخَالِفِ عَنْ دَلِيلٍ قَائِمٍ أَلْبَتَّةَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْمُولٍ بِهِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ ﵊: «أَنْت وَمَالُك لِأَبِيك» غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ فِي إثْبَاتِ حَقِيقَةِ مِلْكِ الْأَبِ لِمَالِ ابْنِهِ نَفْسِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ: مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا وُطِئَتْ فِي الْعِدَّةِ وَقَالَ عَلِمْت حُرْمَتَهَا لَا يُحَدُّ، وَهِيَ مَا وُقُوعُ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا بِالْكِنَايَةِ
(قَوْلُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ)، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهُ حَيًّا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةُ تَمَلُّكِ مَالِ ابْنِ ابْنِهِ حَالَ قِيَامِ ابْنِهِ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ ثُمَّ فِي الِاسْتِيلَادِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ حُكْمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا عَنْ دَلِيلٍ هُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْمُنْذِرِيُّ عَنْ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَأَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك».
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَصْغَرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ عَنْ جَابِرٍ «جَاءَ رَجُلٌ إلَيْهِ ﵊ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِيهْ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ مَالِيَهْ، فَقَالَ ﵊: اُدْعُهُ لِيَهْ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ ﵊: إنَّ ابْنَك يَزْعُمُ أَنَّك تُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ مَالَهُ، فَقَالَ: سَلْهُ هَلْ هُوَ إلَّا عَمَّاتِهِ أَوْ قَرَابَاتِهِ أَوْ مَا أُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِي وَعِيَالِي، قَالَ: فَهَبَطَ جِبْرِيلُ ﵇ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الشَّيْخَ قَالَ فِي نَفْسِهِ شِعْرًا لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاهُ، فَقَالَ لَهُ ﵊: قُلْت فِي نَفْسِك شِعْرًا لَمْ تَسْمَعْهُ أُذُنَاك فَهَاتِهِ، فَقَالَ: لَا يَزَالُ يَزِيدُنَا اللَّهُ بِك بَصِيرَةً وَيَقِينًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
غَذَوْتُك مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا … تَعُلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْك وَتَنْهَلُ
إذَا لَيْلَةٌ ضَافَتْك بِالسَّقَمِ لَمْ أَبَتْ … لِسَقَمِك إلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute