حَقِيقَةً فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ: ظَنَنْت أَنَّهُ يَحِلُّ لِي وَالْفَحْلُ لَمْ يَدَّعِ فِي الظَّاهِرِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ
(وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا انْبِسَاطَ فِي الْمَالِ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَكَذَا سَائِرُ الْمَحَارِمِ سِوَى الْوِلَادِ لِمَا بَيَّنَّا.
حَقِيقَةً فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ) وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْجَارِيَةُ) أَيْ إذَا قَالَتْ الْجَارِيَةُ ظَنَنْت أَنَّ عَبْدَ مَوْلَايَ أَوْ ابْنَ مَوْلَايَ أَوْ مَوْلَاتِي يَحِلُّ لِي أَوْ زَوْجَ سَيِّدَتِي وَكَذَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ (وَالْفَحْلُ لَمْ يَدَّعِ) ذَلِكَ لَا يُحَدُّ (فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ) وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُحَدُّ الْفَحْلُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ إنَّمَا تَمَكَّنَتْ فِي التَّبَعِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ فِي الزِّنَا فَلَا تَكُونُ مُتَمَكِّنَةً فِي الْأَصْلِ، بِخِلَافِ ثُبُوتِهَا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ إذَا قَالَ: ظَنَنْت حِلَّهَا لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي الْأَصْلِ يَسْتَتْبِعُ التَّبَعَ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا كَانَ وَاحِدًا لَهُ نِسْبَةٌ إلَيْهِمَا كَانَ مَا يَثْبُت فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِكُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ. وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ زَنَى الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ يُحَدُّ هُوَ دُونَهَا. أُجِيبَ بِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الصَّبِيَّةِ لَا لِلشُّبْهَةِ فِي الْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ شُبْهَةٌ فَوَجَبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَهْلًا لِلْعُقُوبَةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ لَمَّا تَحَقَّقَتْ فِي الْفِعْلِ نَفَتْ الْحَدَّ عَنْ طَرَفَيْهِ، وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ كَانَ عَلَيْهِ الْعُقْرُ لِزَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا لَوْ جَاءَتْ بِهِ جَارِيَةُ الزَّوْجَةِ وَغَيْرُهَا، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ وَلَدُهُ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ) وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ قَرَابَةٍ غَيْرِ الْوِلَادِ كَالْخَالِ وَالْخَالَةِ (وَقَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا تَحِلُّ لِي حُدَّ) لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي الْمِلْكِ وَلَا فِي الْفِعْلِ لِعَدَمِ انْبِسَاطِ كُلٍّ فِي مَالِ الْآخَرِ، فَدَعْوَى ظَنِّهِ الْحِلَّ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ لَكِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهُ هَذِهِ لَيْسَ زِنًا مُحَرَّمًا فَلَا يُعَارِضُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ قَوْلِهِ: شَرْطُ وُجُوبِ الْحَدِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ، وَإِنَّمَا يَنْفِيهِ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ فَزَنَى وَقَالَ: ظَنَنْت أَنَّهُ حَلَالٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيُحَدُّ، وَإِنْ كَانَ فَعَلَهُ أَوَّلَ يَوْمٍ دَخَلَ الدَّارَ لِأَنَّ الزِّنَا حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَالْمِلَلِ لَا تَخْتَلِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إذَا ادَّعَى مُسْلِمٌ أَصْلِيٌّ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُرْمَةَ الزِّنَا لَا يُحَدُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْحَدِّ، وَلَوْ أَرَادَ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ الْحَدِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عِلْمُهُ بِالْحُرْمَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ كَانَ قَلِيلَ الْجَدْوَى أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحُدَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي ثَبَتَ زِنَاهُ عِنْدَهُ عَرَفَ ثُبُوتَ الْوُجُوبِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إلَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي أَنْ يَحُدَّ نَفْسَهُ وَلَا أَنْ يُقِرَّ بِالزِّنَا، بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى التَّوْبَةُ وَالْإِنَابَةُ، ثُمَّ إذَا اتَّصَلَ بِالْإِمَامِ ثُبُوتُهُ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى الْإِمَامِ. هَذَا وَأُورِدَ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ لَا يُقْطَعُ، فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا انْبِسَاطًا. أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَطْعَ مَنُوطٌ بِالْأَخْذِ مِنْ الْحِرْزِ وَدُخُولِهِ فِي بَيْتِ هَؤُلَاءِ بِلَا حِشْمَةٍ وَاسْتِئْذَانٍ عَادَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute