للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ». وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَاقْتُلُوهُ» وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَقَدَ مُسْتَحِلًّا فَارْتَدَّ بِذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَدَّ لَيْسَ ضَرْبَ الْعُنُقِ وَأَخْذَ الْمَالِ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ لِلْكُفْرِ. وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَنْ «مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَ جَدَّهُ مُعَاوِيَةَ إلَى رَجُلٍ عَرَّسَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ وَيُخَمِّسَ مَالَهُ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ فَارْتَدَّ بِهِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَرَّسَ بِهَا وَتَعْرِيسُهُ بِهَا لَا يَسْتَلْزِمُ وَطْأَهُ إيَّاهَا، وَغَيْرُ الْوَطْءِ لَا يُحَدُّ بِهِ فَضْلًا عَنْ الْقَتْلِ فَحَيْثُ كَانَ الْقَتْلُ كَانَ لِلرِّدَّةِ. وَهَذَا لَا يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ، فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمَّا كَانَ عَدَمُ الْحَدِّ وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْوَطْءِ كَانَ قَتْلُهُ جَائِزًا كَوْنُهُ لِوَطْئِهِ وَكَوْنُهُ لِرِدَّتِهِ فَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ لِلرِّدَّةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُهُ لِلْوَطْءِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَذَلِكَ يَكْفِينَا. وَقَالُوا: جَازَ فِيهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَنَّهُ لِلِاسْتِحْلَالِ، أَوْ أَمَرَ بِذَلِكَ سِيَاسَةً وَتَعْزِيرًا.

وَجْهُ الْقَائِلِ بِالْحَدِّ أَنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ مُجْمَعٍ عَلَى تَحْرِيمِهِ مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ وَالْوَاطِئُ أَهْلٌ لِلْحَدِّ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ فَيَجِبُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ لَمْ يُوجَدْ الْعَقْدُ وَلَيْسَ الْعَقْدُ شُبْهَةً لِأَنَّهُ نَفْسَهُ جِنَايَةٌ هُنَا تُوجِبُ الْعُقُوبَةَ انْضَمَّتْ إلَى الزِّنَا فَلَمْ تَكُنْ شُبْهَةً كَمَا لَوْ أَكْرَهَهَا وَعَاقَبَهَا ثُمَّ زَنَى بِهَا؛ وَمَدَارُ الْخِلَافِ أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ يُوجِبُ شُبْهَةً أَمْ لَا، فَعِنْدَهُمْ لَا كَمَا ذُكِرَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ وَزُفَرَ نَعَمْ، وَمَدَارُ كَوْنِهِ يُوجِبُ شُبْهَةً عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَا هُوَ مَحَلُّهُ أَوْ لَا، فَعِنْدَهُمْ لَا لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ مَا يُقْبَلُ حُكْمُهُ وَحُكْمُهُ الْحِلُّ، وَهَذِهِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ فِي سَائِرِ الْحَالَاتِ فَكَانَ الثَّابِتُ صُورَةَ الْعَقْدِ لَا انْعِقَادَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا انْعِقَادَ فِي غَيْرِ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ عُقِدَ عَلَى ذَكَرٍ، وَعِنْدَهُ نَعَمْ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ لَيْسَتْ لِقَبُولِ الْحِلِّ بَلْ لِقَبُولِ الْمَقَاصِدِ مِنْ الْعَقْدِ وَهُوَ ثَابِتٌ وَلِذَا صَحَّ مِنْ غَيْرِهِ عَلَيْهَا، وَبِتَأَمُّلٍ يَسِيرٍ يَظْهَرُ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَارَدُوا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدَةٍ فِي الْمَحَلِّيَّةِ، فَهُمْ حَيْثُ نَفَوْا مَحَلِّيَّتَهَا أَرَادُوا بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ هَذَا الْعَاقِدِ: أَيْ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِعَقْدِ هَذَا الْعَاقِدِ وَلِذَا عَلَّلُوهُ بِعَدَمِ حِلِّهَا، وَلَا شَكَّ فِي حِلِّهَا لِغَيْرِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لَا مَحَلِّيَّتِهَا لِلْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ الْعَقْدُ، وَهُوَ حَيْثُ أَثْبَتَ مَحَلِّيَّتَهَا أَرَادَ مَحَلِّيَّتَهَا لِنَفْسِ الْعَقْدِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ عَاقِدٍ وَلِذَا عَلَّلَ بِقَبُولِهَا مَقَاصِدَهُ.

فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ أَطْلَقَ الْكُلَّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ عَدَمُ مَحَلِّيَّةِ الْمَحَارِمِ لِنِكَاحِ الْمُحَرَّمِ. فَفِي الْأُصُولِ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمَضَامِينِ وَالْمَلَاقِيحِ وَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ مَجَازٌ عَنْ النَّفْيِ لِعَدَمِ مَحَلِّهِ، وَفِي الْفِقْهِ كَثِيرٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ مَحَلُّ النِّكَاحِ أُنْثَى مِنْ بَنَاتِ آدَمَ لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْمَحَلِّيَّةِ لِعَقْدِ النَّاكِحِ الْخَاصِّ. وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا أَثْبَتَ مَحَلِّيَّتَهَا لِلنِّكَاحِ فِي الْجُمْلَةِ لَا بِالنَّظَرِ إلَى خُصُوصِ نَاكِحٍ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ. بَقِيَ النَّظَرُ فِي أَنَّ أَيُّ الِاعْتِبَارَيْنِ فِي ثُبُوتِ الْمَحَلِّيَّةِ أَوْلَى كَوْنُهُ قَابِلًا لِلْمَقَاصِدِ أَوْ كَوْنُهُ حَلَالًا، إنْ نَظَرْنَا إلَى الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَتْبَعَ الْحِلُّ قِيَامَ الْحَاجَةِ لِتُدْفَعَ بِهِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ، أَوْ إلَى السَّمْعِ أَعْنِي مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُلِّ: إنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا فِيهَا عَدَمُ الْحِلِّ تَرَجَّحُوا، وَقَدْ رُجِّحَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» حُكِمَ بِالْبُطْلَانِ وَأَوْجَبَ الْمَهْرَ وَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْحَدِّ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَوْنُهُ لَا يَعْتَقِدُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِتَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ آيِلٌ إلَى الْبُطْلَانِ بِاعْتِرَاضِ الْوَلِيِّ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ كُفْءٍ وَالْآخَرُ تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهَا كَالْأَمَةِ وَالصَّبِيَّةِ، عَلَى هَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>