للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ يُعَزَّرُ) لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ

(وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُعَزَّرُ، وَزَادَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: وَيُودَعُ فِي السِّجْنِ، وَقَالَا: هُوَ كَالزِّنَا فَيُحَدُّ) وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ،

أَقْرَبُ التَّأْوِيلَيْنِ لِنُدْرَةِ فَسْخِ وَلِيٍّ بِسَبَبِ عَدَمِ كَفَاءَةِ مَنْ زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ وَقَدْ حُكِمَ فِيهِ بِالْمَهْرِ إنْ دَخَلَ، لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ تَحَقُّقَ الشُّبْهَةِ يَقْتَضِي تَحَقُّقَ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَا مَحَالَةَ شُبْهَةُ الْحِلِّ لَكِنْ حِلُّهَا لَيْسَ ثَابِتًا مِنْ وَجْهٍ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْعِدَّةُ وَثَبَتَ النَّسَبُ. وَدُفِعَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ الْتَزَمَ ذَلِكَ.

وَعَلَى التَّسْلِيمِ فَثُبُوتُ النَّسَبِ وَالْعِدَّةِ أَقَلُّ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ وُجُودُ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ فِي الْمَحَارِمِ، وَشُبْهَةُ الْحِلِّ لَيْسَ ثُبُوتَ الْحِلِّ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّ الشُّبْهَةَ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا ثُبُوتَ لِمَا لَهُ شُبْهَةُ الثُّبُوتِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَ عُقُوبَتَهُ بِأَشَدَّ مَا يَكُونُ، وَإِنَّمَا لَمْ يُثْبِتْ عُقُوبَةً هِيَ الْحَدُّ فَعُرِفَ أَنَّهُ زِنًا مَحْضٌ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةً فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ.

وَمِنْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيَزْنِيَ بِهَا فَفَعَلَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ، وَقَالَ: هُمَا وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يُحَدُّ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ لَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْبُضْعُ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ ثُمَّ زَنَى بِهَا فَإِنَّهُ يُحَدُّ اتِّفَاقًا. وَلَهُ أَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِالزِّنَا الْمَنْفَعَةُ وَهِيَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، فَبِالنَّظَرِ إلَى الْحَقِيقَةِ تَكُونُ مَحَلًّا لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، بِخِلَافِ الِاسْتِئْجَارِ لِلطَّبْخِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ وَالْعَقْدُ الْمُضَافُ إلَى مَحَلٍّ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِيهِ لَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ.

وَفِي الْكَافِي: لَوْ قَالَ أَمْهَرْتُك كَذَا لِأَزْنِيَ بِكَ لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: اسْتَأْجَرْتُك أَوْ خُذِي هَذِهِ الدَّرَاهِمَ لِأَطَأَك. وَالْحَقُّ فِي هَذَا كُلِّهِ وُجُوبُ الْحَدِّ إذْ الْمَذْكُورُ مَعْنًى يُعَارِضُهُ كِتَابُ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا﴾ فَالْمَعْنَى الَّذِي يُفِيدُ أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا مَعَ قَوْلِهِ: أَزْنِي بِك لَا يُجْلَدُ مَعَهُ لِلَفْظَةِ الْمَهْرِ مُعَارِضٌ لَهُ

(قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ) بِأَنْ أَوْلَجَ فِي مَغَابِنِ بَطْنِهَا وَنَحْوِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَعُمُّ الدُّبُرَ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ (يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ) مُحَرَّمٌ (لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ) فَفِيهِ التَّعْزِيرُ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا أَتَتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً أُخْرَى فَإِنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ لِذَلِكَ

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَتَى امْرَأَةً) أَيْ أَجْنَبِيَّةً (فِي الْمَوْضِعِ الْمَكْرُوهِ) أَيْ دُبُرِهَا (أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ) وَيُسْجَنُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ، وَلَوْ اعْتَادَ اللِّوَاطَةَ قَتَلَهُ الْإِمَامُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ سِيَاسَةً، أَمَّا الْحَدُّ الْمُقَدَّرُ شَرْعًا فَلَيْسَ حُكْمًا لَهُ وَقَالَا هُوَ كَالزِّنَا، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُفِيدُ اعْتِرَافَهُمَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْسِ الزِّنَا بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا فَيُحَدُّ جَلْدًا إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ وَرَجْمًا إنْ أَحْصَنَ. وَذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْغُلَامِ. أَمَّا لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا حُدَّ بِلَا خِلَافٍ.

وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَاتِ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا بِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لَا يُحَدُّ إجْمَاعًا، كَذَا فِي الْكَافِي. نَعَمْ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْزِيرِ وَالْقَتْلِ لِمَنْ اعْتَادَهُ إنْ رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ، لَكِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>