. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قَالَ: لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُهَا بِالْعَدُوِّ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ وَإِلَى عُمَّالِهِ: أَنْ لَا تُقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى أَرْضِ الْمُصَالَحَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ هَذَا الشَّيْخُ وَمَكْحُولٌ لَمْ يُدْرِكْ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا نَوْعُ انْقِطَاعٍ، وَمُعْتَقَدُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْإِرْسَالِ، وَأَنَّ حَذْفَ الشَّيْخِ لَا يَكُونُ مِنْ الْعَدْلِ الْمُجْتَهَدِ إلَّا لِلْعِلْمِ بِثِقَتِهِ فَلَا يَضُرُّ عَلَى رَأْيِ مُثْبِتِي الْمُرْسَلِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ كَوْنِ الْمُرْسَلِ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ وَالْعَدَالَةِ، وَهَذَا الْأَخِيرُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْن أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عُمَيْرٍ بِهِ، وَزَادَ: لِئَلَّا تَحْمِلَهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ أَنْ يَلْحَقَ بِالْكُفَّارِ انْتَهَى. أَثَرٌ آخَرُ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا: حَدَّثَتَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ رُومَانٍ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ نَهَى أَنْ يُقَامَ عَلَى أَحَدٍ حَدٌّ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ» انْتَهَى. وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ " فِي الْغَزْوِ " وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ يَرَوْنَ أَنْ لَا يُقَامَ الْحَدُّ فِي الْغَزْوِ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَلْحَقَ مَنْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالْعَدُوِّ، فَإِذَا رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَعَ الْأَوْزَاعِيِّ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، فَمَذْهَبُهُمْ تَأْخِيرُ الْحَدِّ إلَى الْقُفُولِ، وَبُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي أَرْطَاةَ اُخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُنْكِرُونَ سَمَاعَ بُسْرٍ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَقُولُ: بُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ رَجُلُ سُوءٍ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَذَلِكَ لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ سُوءِ فِعْلِهِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْحَرَّةِ اهـ.
فَلَوْ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ ﵊ لَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ رَضِيَ مَا وَقَعَ عَامَ الْحَرَّةِ وَكَانَ مِنْ أَعْوَانِهَا. وَالْحَقُّ أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ لَوْ ثَبَتَتْ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ لِلْعَمَلِ مُعَلَّلَةً بِمَخَافَةِ لَحَاقِ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ بِأَهْلِ الْحَرْبِ وَأَنَّهُ يُقَامُ إذَا خَرَجَ وَكَوْنُهُ يُقِيمُهُ إذَا خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ. فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى أَرْضِ الْمُصَالَحَةِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُقِيمُ حَدَّ الزِّنَا الَّذِي كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَلْ إنَّهُ إذَا صَارَ إلَى أَرْضِ الْمُصَالَحَةِ يُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا إذَا زَنَى.
قُلْنَا: أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَوَّلُ، وَلَوْ سَلِمَ احْتِمَالُهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَلَا يَتَرَجَّحُ الثَّانِي، وَعَلَى اعْتِبَارِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ هُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضَةٌ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَالَ «أَقِيمُوا حُدُودَ اللَّهِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ، وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ. قَالَ: وَرَوَيْنَاهُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ فِي السُّنَنِ فَلَا شَكَّ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ الْأَصْلِ، وَأَيْضًا مُعَارِضٌ إطْلَاقَ ﴿فَاجْلِدُوا﴾ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ زِيَادَةً. فَإِنْ أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ مَوَاضِعُ الشُّبْهَةِ فَهُوَ مَدْفُوعٌ بِأَنَّ الزِّنَا نَفْسَهُ مَأْخُوذٌ فِيهِ عَدَمُهَا فَإِنَّهُ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَشُبْهَتِهِ، فَتَرْتِيبُهُ سُبْحَانَهُ إيجَابَ الْحَدِّ عَلَى الزِّنَا تَرْتِيبُ ابْتِدَاءٍ عَلَى مَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ فَتَكُونُ هَذِهِ الْأَخْبَارُ مُخَصِّصًا أَوَّلُ، وَأَمَّا الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ الْمَذْكُورُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَجْزَ الْإِمَامِ عَنْ الْإِقَامَةِ حَالَ دُخُولِ الزِّنَا فِي الْوُجُودِ يُوجِبُ أَنْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِيجَابِ، إنَّمَا ذَلِكَ لَوْ عَجَزَ مُطْلَقًا فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ الْوُجُوبُ فِي الْحَالِ مُعَلَّقًا بِالْقُدْرَةِ، وَلَكِنَّهُ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ.
وَتَصْحِيحُهُ أَنْ يُقَالَ: جَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْحَالِ تَعْلِيقُ الْإِيجَابِ بِالْقُدْرَةِ: أَيْ إذَا قَدَرْت فَأَقِمْ عَلَيْهِ، فَالْوُجُوبُ مَعْدُومٌ فِي الْحَالِ وَمَوْجُودٌ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْقُدْرَةِ فِي الْمَأْكَلِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ جَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُمْكِنٌ لَكِنْ أَيْنَ دَلِيلُهُ، فَإِنَّ الْآيَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute