وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ
(وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ). وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ ﵀ يُحَدُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِسْلَامِهِ أَحْكَامَهُ أَيْنَمَا كَانَ مَقَامُهُ. وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْزِجَارُ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ مُنْقَطِعَةٌ فِيهِمَا فَيُعَرَّى الْوُجُوبُ عَنْ الْفَائِدَةِ، وَلَا تُقَامُ بَعْدَ
بِزِيَادَةٍ. وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا) فَأَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي بِهِ (لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ) وَمَالِكٍ (يُحَدُّ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِإِسْلَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ أَيْنَمَا كَانَ مَقَامُهُ) قُلْنَا: سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُلْتَزَمٌ لِلْأَحْكَامِ، لَكِنَّ الْحَدَّ لَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُلْتَزَمَهُ بِالْتِزَامِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، بَلْ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ الْتِزَامُهُ تَسْلِيمَ نَفْسِهِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ الْقَاضِي فَقَضَى بِإِقَامَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذَا بَلْ فِي نَفْسِ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ عِنْدَ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ فَهَذَا الدَّلِيلُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ.
فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الْإِقَامَةُ عَلَى الزَّانِي مُطْلَقًا أَيْنَمَا كَانَ زِنَاهُ. وَحِينَئِذٍ نَقُولُ: امْتَنَعَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ مَشْرُوطٌ بِالْقُدْرَةِ وَلَا قُدْرَةَ لِلْإِمَامِ عَلَيْهِ حَالَ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا وُجُوبَ، وَإِلَّا عُرِّيَ عَنْ الْفَائِدَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الِاسْتِيفَاءُ لِيَحْصُلَ الزَّجْرُ، وَالْفَرْضُ أَنْ لَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ، وَإِذَا خَرَجَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ سَبَبًا لِلْإِيجَابِ حَالَ وُجُودِهِ لَمْ يَنْقَلِبْ مُوجِبًا لَهُ حَالَ عَدَمِهِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ» لَمْ يُعْلَمْ لَهُ وُجُودٌ.
وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَصَابَ بِهَا حَدًّا ثُمَّ هَرَبَ فَخَرَجَ إلَيْنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ»، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَشْيَاخِنَا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ زَيْدِ ابْنِ ثَابِتٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute