(وَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً لَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الزِّنَا فِي كَوْنِهِ جِنَايَةً وَفِي وُجُودِ الدَّاعِي لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْهُ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ نِهَايَةُ السَّفَهِ أَوْ فَرْطُ الشَّبَقِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُهُ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّاهُ، وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ التَّحَدُّثِ بِهِ
قَالَ: وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ فِي آخِرِ رِدَّةِ بَنِي سُلَيْمٍ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ مُضَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا حَدُّ اللِّوَاطَةِ؛ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى أَعْلَى بِنَاءٍ فِي الْقَرْيَةِ فَيُرْمَى مِنْهُ مُنَكَّسًا ثُمَّ يُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، وَكَأَنَّ مَأْخَذَ هَذَا أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ أُهْلِكُوا بِذَلِكَ حَيْثُ حُمِلَتْ قُرَاهُمْ وَنُكِّسَتْ بِهِمْ، وَلَا شَكَّ فِي اتِّبَاعِ الْهَدِيمِ بِهِمْ وَهُمْ نَازِلُونَ. وَذَكَرَ مَشَايِخُنَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ يُحْبَسَانِ فِي أَنْتَنِ الْمَوَاضِعِ حَتَّى يَمُوتَا نَتِنًا. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِتَسْمِيَتِهَا فَاحِشَةً فِي قَوْله تَعَالَى ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ الْفَاحِشَةَ لَا تَخُصُّ لُغَةً الزِّنَا، قَالَ تَعَالَى ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ " إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا " أَيْ مِنْ أَنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ
(قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) وَكَذَا إذَا زَنَى بِمَيِّتَةٍ لِأَنَّهُ لِلزَّجْرِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ فِيمَا طَرِيقُ وُجُودِهِ مُنْفَتِحٌ سَالِكٌ. وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ الْعُقَلَاءُ وَلَا السُّفَهَاءُ، وَإِنْ اتَّفَقَ لِبَعْضِهِمْ ذَلِكَ لِغَلَبَةِ الشَّبَقِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الزَّاجِرِ لِزَجْرِ الطَّبْعِ عَنْهُ (وَلِهَذَا لَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الْبَهِيمَةِ إلَّا أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ فَفِيهِ التَّعْزِيرُ (وَاَلَّذِي يُرْوَى أَنَّهُ تُذْبَحُ الْبَهِيمَةُ وَتُحْرَقُ فَذَلِكَ لِقَطْعِ) امْتِدَادِ (التَّحَدُّثِ بِهِ) كُلَّمَا رُئِيَتْ فَيَتَأَذَّى الْفَاعِلُ بِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.
وَإِذَا ذُبِحَتْ وَهِيَ مِمَّا لَا تُؤْكَلُ ضَمِنَ قِيمَتَهَا إنْ كَانَ مَالِكُهَا غَيْرَهُ لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِأَجْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا تُؤْكَلُ أُكِلَتْ، وَضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تُؤْكَلُ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرْوِيِّ مَا رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ ﵊ «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا» قُلْت لَهُ: مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ قَالَ: مَا أَرَاهُ قَالَ ذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا أَوْ يُنْتَفَعُ بِهَا وَقَدْ عَمِلَ بِهَا مَا عَمِلَ. وَلَعَلَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا هُوَ الْمُتَمَسِّكُ لِأَبِي يُوسُفَ فِي عَدَمِ أَكْلِهَا إلَّا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي عَيَّنَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ قَطْعِ التَّعْيِيرِ أَقْرَبُ إلَى النَّفْسِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْبَاقُونَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَمْرٍو هَذَا، وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْحُفَّاظِ، وَضَعَّفَ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ بِطَرِيقٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ: " لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ " وَهُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ الرَّفْعُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِقَتْلِهِمَا وَتَأْوِيلِهِ الْمَذْكُورِ آنِفًا، وَمُحَالٌ أَنْ يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْقَتْلُ ثُمَّ يُخَالِفُهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ الْأَوَّلِ، وَلَفْظُهُ «مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ». وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute