للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَبِي صَالِحٍ غَيْرُ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمْرِيُّ، وَهُوَ يُضَعِّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَبْلِ حِفْظِهِ، وَبِسَنَدِ السُّنَنِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو صَدُوقٌ، لَكِنَّهُ رَوَى عَنْ عِكْرِمَةَ مَنَاكِيرَ. وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ.

وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ يُنْكَرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْهُ «اُقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَسَكَتَ عَنْهُ. وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْعُمَرِيَّ سَاقِطٌ، وَإِذَا كَانَ الْحَدِيثُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنْ التَّرَدُّدِ فِي أَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْدَمَ بِهِ عَلَى الْقَتْلِ مُسْتَمِرًّا عَلَى أَنَّهُ حَدٌّ، وَلَوْ سَلِمَ حُمِلَ عَلَى قَتْلِهِ سِيَاسَةً. وَلَهُمَا أَنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا لِأَنَّهُ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لِمُجَرَّدِ قَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ بَلْ أَبْلَغُ حُرْمَةً وَتَضْيِيعًا لِلْمَاءِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ قَدْ تَنْكَشِفُ فِي الزِّنَا بِالْعَقْدِ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ الْوَلَدُ فِيهِ، بِخِلَافِ اللِّوَاطَةِ فِيهِمَا فَيَثْبُتُ حُكْمُ الزِّنَا لَهُ بِدَلَالَةِ نَصِّ حَدِّ الزِّنَا لَا بِالْقِيَاسِ.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا وَلَا مَعْنَاهُ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ حَدٌّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ التَّحْرِيقَ بِالنَّارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُهْدَمُ عَلَيْهِ الْجِدَارُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْقِيهِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ مَعَ إتْبَاعِ الْأَحْجَارِ، فَلَوْ كَانَ زِنًا فِي اللِّسَانِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ لَمْ يَخْتَلِفُوا بَلْ كَانُوا يَتَّفِقُونَ عَلَى إيجَابِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهِ. فَاخْتِلَافُهُمْ فِي مُوجِبِهِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مُسَمَّى لَفْظِ الزِّنَا لُغَةً وَلَا مَعْنَاهُ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِ الْقَائِلِ:

مِنْ كَفِّ ذَاتِ حِرٍ فِي زِيِّ ذِي ذَكَرٍ … لَهَا مُحِبَّانِ لُوطِيٌّ وَزَنَّاءٌ

فَلِعَدَمِ مَعْرِفَةِ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْبَيْتُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ حَيْثُ قَالَ قَائِلُهُمْ وَذِكْرُ الْبَيْتِ غَلَطٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ بَلْ هُوَ مِنْ شِعْرِ أَبِي نُوَاسٍ مِنْ قَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلُهَا:

دَعْ عَنْك لَوْمِي فَإِنَّ اللُّوَّمَ إغْرَاءُ … وَدَاوِنِي بِاَلَّتِي كَانَتْ هِيَ الدَّاءُ

وَهِيَ قَصِيدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي دِيوَانِهِ، وَهُوَ مُوَلَّدٌ لَا تَثْبُتُ اللُّغَةُ بِكَلَامِهِ مَعَ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَطْهِيرُ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ عَنْ أَمْثَالِهِ.

وَأَيْضًا لَا يُثْبِتُ دَلَالَةً لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرَّمَ فِي الزِّنَا لَيْسَ إضَاعَةَ الْمَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إضَاعَتُهُ لِجَوَازِ إضَاعَتِهِ بِالْعَزْلِ بَلْ إفْضَاؤُهُ إلَى إضَاعَةِ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ إهْلَاكٌ مَعْنًى، فَإِنَّ وَلَدَ الزِّنَا لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُرَبِّيهِ وَالْأُمُّ بِمُفْرَدِهَا عَاجِزَةٌ عَنْهُ فَيَشِبُّ عَلَى أَسْوَإِ الْأَحْوَالِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَدَّعِيهِ بَعْضُ السُّفَهَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ شَرْعًا لِيَخْتَصَّ بِهِ وَيَنْفَعَهُ وَيَشْتَبِهَ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ فَيَقَعَ التَّقَاتُلُ وَالْفِتْنَةُ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي اللِّوَاطِ (وَكَذَا هُوَ أَنْدَرُ وُقُوعًا مِنْ الزِّنَا لِانْعِدَامِ الدَّاعِي مِنْ الْجَانِبَيْنِ) عَلَى الِاسْتِمْرَارِ، بِخِلَافِ الزِّنَا لِتَحَقُّقِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِمْرَارِ لِنُدْرَةِ وُقُوعِ الزِّنَا بِصَبِيَّةٍ لَا تُشْتَهَى أَصْلًا إذْ قَلَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ، وَلَا عِبْرَةَ بِأَوْكَدِيَّةِ الْحُرْمَةِ فِي ثُبُوتِ عَيْنِ مُوجِبِ الْآخَرِ، وَلِذَا لَا يُحَدُّ بِشُرْبِ الْبَوْلِ الْمُجْمَعِ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَيُحَدُّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ، فَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يَثْبُتَ الْحَدُّ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْمُسَاوِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ دُونَ الْأَعْلَى بَلْ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لَهُ زَاجِرٌ قَوِيٌّ وَقَدْ لَا إلَّا إيعَادَ عِقَابِ الْآخِرَةِ.

وَأَمَّا تَخْرِيجُ مَا عَنْ الصَّحَابَةِ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعُزَيْرِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ دَاوُد بْنِ بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ كَتَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْعَرَبِ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، فَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحَابَةَ فَسَأَلَهُمْ، فَكَانَ مِنْ أَشَدِّهِمْ فِي ذَلِكَ قَوْلًا عَلِيٌّ قَالَ: هَذَا ذَنْبٌ لَمْ يَعْصِ بِهِ إلَّا أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ صَنَعَ اللَّهُ بِهَا مَا عَلِمْتُمْ، نَرَى أَنْ نُحَرِّقَهُ بِالنَّارِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>