بِخِلَافِ حَدِّ الشُّرْبِ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ. وَلَهُمَا أَنَّهُ مَا دَخَلَ لِلْقَرَارِ بَلْ لِحَاجَةٍ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَصِرْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ وَلَا الذِّمِّيُّ بِهِ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَ مِنْ الْحُكْمِ مَا يَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ مَقْصُودِهِ وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا طَمِعَ فِي الْإِنْصَافِ يَلْتَزِمْ الِانْتِصَافَ، وَالْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ مِنْ حُقُوقِهِمْ، أَمَّا حَدُّ الزِّنَا فَمَحْضُ حَقِّ الشَّرْعِ. وَلِمُحَمَّدٍ ﵀ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي بَابِ الزِّنَا فِعْلُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ تَابِعَةٌ لَهُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَامْتِنَاعُ الْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ التَّبَعِ، أَمَّا الِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ التَّبَعِ لَا يُوجِبُ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْأَصْلِ. نَظِيرُهُ إذَا زَنَى الْبَالِغُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ وَتَمْكِينُ الْبَالِغَةِ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ
يَحُدَّانِ.
ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَلِفِ، وَإِنْ زَنَى الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ بِالْحَرْبِيَّةِ الْمُسْتَأْمَنَةِ حُدَّ الرَّجُلُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَحُدَّانِ جَمِيعًا. وَالْأَصْلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْحَرْبِيِّ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ زِنًا وَلَا سَرِقَةٍ وَلَا شُرْبِ خَمْرٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ الْكُلُّ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ، فَحَدُّ الشُّرْبِ لَا يَجِبُ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ، وَحَدُّ الْقَذْفِ يَجِبُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ. وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ. وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ الْتَزَمَ أَحْكَامَنَا مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي دَارِنَا فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالسِّيَاسَاتِ، كَمَا أَنَّ الذِّمِّيَّ الْتَزَمَهَا مُدَّةَ عُمُرِهِ وَلِهَذَا يُحَدُّ لِلْقَذْفِ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا وَيُمْنَعُ مِنْ الزِّنَا وَشِرَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute