الْمَرْضِيَّةِ، أَوْ لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلَّقَ الْحَدُّ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ مِنْ قَبِيحِ الزِّنَا وَهُوَ فِعْلُ مَنْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْكَفِّ عَنْهُ وَمُؤْتَمٌّ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ، وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يُنَاطُ بِهِ الْحَدُّ.
دَافِقٍ﴾ أَيْ مُرْضَيَةٍ وَمَدْفُوقٍ (أَوْ لِكَوْنِهَا مُسَبِّبَةً) لِزِنَا الزَّانِي (بِالتَّمْكِينِ فَتَعَلَّقَ الْحَدُّ حِينَئِذٍ فِي حَقِّهَا بِالتَّمْكِينِ) مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنَاهَا وَالزِّنَا فِعْلُ مَنْ هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ آثِمٌ بِهِ (وَفِعْلُ الصَّبِيِّ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُنَاطُ بِهِ الْحَدُّ) وَعَلَى هَذَا لَوْ قُلْنَا: إنَّهَا بِالتَّمْكِينِ زَانِيَةٌ حَقِيقَةً لُغَةً لَا يَضُرُّنَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تُسَمَّى زَانِيَةً حَقِيقَةً بِالتَّمْكِينِ مِمَّا هُوَ زِنًا وَهُوَ مُنْتَفٍ مِنْ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهَا زَانِيَةٌ حَقِيقَةً مَعَ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا مَزْنِيٌّ بِهَا حَقِيقَةً فَيَلْزَمُ كَوْنُ إطْلَاقِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ حَقِيقَةً وَهُوَ بَاطِلٌ؟ فَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَبْطُلُ لَوْ كَانَ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ فَإِنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً بِاعْتِبَارِ تَمْكِينِهَا طَائِعَةٌ لِقَضَاءِ شَهْوَتِهَا مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا وَمُزْنِيَةٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا مَحَلًّا لِلْفِعْلِ الَّذِي هُوَ زِنًا، فَلَوْ مَنَعَ وَقِيلَ بَلْ تَرَتُّبُ الْحَدِّ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَمْكِينِهَا مِنْ الْوَطْءِ الْمُفْضِي إلَى اشْتِبَاهِ النَّسَبِ وَتَضْيِيعِ الْوَلَدِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمُ لِلزِّنَا سَوَاءٌ وَقَعَ زِنًا أَوْ لَا. فَالْجَوَابُ أَنَّ تَسْمِيَتَهَا زَانِيَةً حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كَوْنُهُ بِالتَّمْكِينِ مِنْ الزِّنَا أَنْسَبُ مِنْ كَوْنِهِ بِمَا لَيْسَ زِنًا، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ جَازَ كَوْنُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَدَارَ تَمْكِينُهَا الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ بَيْنَ كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْحَدِّ وَكَوْنِهِ غَيْرَ مُوجِبٍ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِوُجُوبِ الدَّرْءِ فِي مِثْلِهِ بِذَلِكَ، لَكِنْ بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: كَوْنُ الزِّنَا فِي اللُّغَةِ هُوَ الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ مِمَّنْ هُوَ مُخَاطَبٌ مَمْنُوعٌ بَلْ إدْخَالُ الرَّجُلِ قَدْرَ حَشَفَتِهِ قُبُلَ مُشْتَهَاةٍ حَالًا أَوْ مَاضِيًا بِلَا مِلْكٍ وَشُبْهَةٍ، وَكَوْنُهُ بَالِغًا عَاقِلًا لِاعْتِبَارِهِ مُوجِبًا لِلْحَدِّ شَرْعًا فَقَدْ مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا لُغَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى فَاعِلِهِ حَدٌّ. وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يُوجِبُ التَّفْصِيلَ بَيْنَ تَمْكِينِهَا صَبِيًّا فَلَا تُحَدُّ وَمَجْنُونًا فَتُحَدُّ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ وَطِئَ الرَّجُلُ يَخُصُّ الْبَالِغَ لَكِنْ لَا قَائِلَ بِالْفَصْلِ. وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ قُوَّةِ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ لَا يُسَمُّونَ فِعْلَ الْمَجْنُونِ زِنًا وَلَوْ احْتَمَلَ ذَلِكَ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ احْتِيَاطٍ فِي الدَّرْءِ لَا فِي الْإِيجَابِ فَلَا تُحَدُّ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِمَّا ذَكَرْنَاهُ يَنْدَفِعُ مَا قِيلَ لَوْ كَانَ تَمْكِينُ الْمَرْأَةِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا يَمْنَعُ الْحَدَّ عَنْهَا لَاسْتَفْسَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْغَامِدِيَّةَ حِينَ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا هَلْ زَنَى بِك مَجْنُونٌ أَوْ صَبِيٌّ، كَمَا أَنَّهُ اسْتَفْسَرَ مَاعِزًا فَقَالَ: أَبِك جُنُونٌ حِينَ كَانَ جُنُونُهُ يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا قَالَتْ: زَنَيْت فَقَدْ اعْتَرَفَتْ بِتَمْكِينِ غَيْرِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِفْسَارِهَا عَنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَاعِزٍ فَإِنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute