قَالَ (وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ طَاوَعَتْهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا). وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ
(وَإِنْ زَنَى صَحِيحٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ يُجَامَعُ مِثْلُهَا حُدَّ الرَّجُلُ خَاصَّةً) وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ الْعُذْرَ مِنْ جَانِبِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ فَكَذَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤَاخَذٌ بِفِعْلِهِ.
وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا وَالْمَرْأَةُ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا، إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ كَالرَّاضِيَةِ فِي مَعْنَى
امْتِنَاعَهُ فِي التَّبَعِ، بِخِلَافِ امْتِنَاعِهِ فِي التَّبَعِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ فِي حَقِّ الْأَصْلِ أَيْ دَلِيلُهُ إذَا زَنَى الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِصَبِيَّةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ يُحَدُّ هُوَ دُونَهَا، وَفِي تَمْكِينِ الْبَالِغَةِ الصَّبِيَّ أَوْ الْمَجْنُونَ لَا تُحَدُّ، وَتَمْكِينُهَا إنَّمَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إذَا مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ مُوجِبٍ لَهُ وَفِعْلُ الْحَرْبِيِّ لَيْسَ مُوجِبًا لَهُ فَلَا يَكُونُ تَمْكِينُهَا مُوجِبًا عَلَيْهَا. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِعْلَ الْمُسْتَأْمَنِ زِنًا لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا بِالْحُرُمَاتِ كَحُرْمَةِ الْكُفْرِ وَالزِّنَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْعِرَاقِيِّينَ إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ حَدُّهُ لِأَنَّ إقَامَتَهُ بِالْوِلَايَةِ وَالْوِلَايَةُ مُنْدَفِعَةٌ عَنْهُ بِإِعْطَاءِ الْأَمَانِ إلَّا فِيمَا الْتَزَمَهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَقَدْ مَكَّنَتْ مِنْ فِعْلٍ هُوَ زِنًا لَا قُصُورَ فِيهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ عَلَيْهَا وَصَارَ كَمَا لَوْ مَكَّنَتْ مُسْلِمًا فَهَرَبَ تُحَدُّ هِيَ لِأَنَّ الْمَانِعَ خَصَّهُ وَتَبَعِيَّتُهَا فِي الْفِعْلِ لَا فِي حُكْمِهِ، بِخِلَافِ تَمْكِينِهَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لِأَنَّهُمَا لَمَّا لَمْ يُخَاطَبَا لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُمَا زِنًا فَلَمْ تُمَكِّنْ مِنْ الزِّنَا، وَنَظِيرُهُ لَوْ زَنَى مُكْرَهٌ بِمُطَاوِعَةٍ تُحَدُّ الْمُطَاوِعَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تُحَدُّ
(قَوْلُهُ وَإِذَا زَنَى الصَّبِيُّ أَوْ الْمَجْنُونُ بِامْرَأَةٍ طَاوَعَتْهُ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهَا. وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ
، (وَإِنْ زَنَى صَحِيحٌ) أَيْ عَاقِلٌ بَالِغٌ (بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ يُجَامَعُ مِثْلُهَا حُدَّ الرَّجُلُ خَاصَّةً)، وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ. لَهُمَا أَنَّ الْعُذْرَ مِنْ جَانِبِهَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْحَدِّ مِنْ جَانِبِهِ فَكَذَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِهِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَهُ مِنْ جَانِبِهَا (وَهَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُؤَاخَذٌ بِفِعْلِهِ) وَقَدْ فَعَلَتْ مَا هِيَ بِهِ زَانِيَةٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ زِنَاهَا انْقِضَاءُ شَهْوَتِهَا بِآلَتِهِ وَقَدْ وُجِدَ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهُ ﷾ سَمَّاهَا زَانِيَةً وَهُوَ لَيْسَ إلَّا بِذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا زَانِيَةٌ حَقِيقَةً كَوْنُهَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا، فَلَوْ لَمْ يُتَصَوَّرْ زِنَاهَا لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهَا كَالْمَجْبُوبِ (وَلَنَا أَنَّ فِعْلَ الزِّنَا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ) لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَخَذُوا جِنْسَ تَعْرِيفِهِ وَطْءَ الرَّجُلِ فَكَانَتْ خَارِجَةً (وَإِنَّمَا هِيَ مَحَلٌّ وَلِهَذَا يُسَمَّى هُوَ وَاطِئًا وَزَانِيًا وَهِيَ مَوْطُوءَةً وَمَزْنِيًّا بِهَا إلَّا أَنَّهَا سُمِّيَتْ زَانِيَةً مَجَازًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ) كَ ﴿عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ وَ ﴿مَاءٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute