وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا. وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ عَنْهُمَا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ زِنَاهَا مُكْرَهَةً يُسْقِطُ إحْصَانَهَا فَصَارَا خَصْمَيْنِ فِي ذَلِكَ
(وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ بِالْكُوفَةِ وَآخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا)؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِعْلُ الزِّنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ خِلَافًا لِزُفَرَ
فَإِنَّ الرَّجُلَ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْفِعْلِ فَيَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ فَكَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَاحِدًا، لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ يُخْرِجُ الْمَرْأَةَ مِنْ أَنْ تَكُونَ فَاعِلَةً لِلزِّنَا حُكْمًا، وَلِهَذَا لَا تَأْثَمُ بِالتَّمْكِينِ مُكْرَهَةً، فَاخْتِلَافُ الْفِعْلِ الْمَشْهُودِ بِهِ أَوْرَثَ اخْتِلَافَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَاخْتِلَافُ الْفِعْلِ مِنْ أَقْوَى الشُّبْهَةِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي إسْقَاطِهِ عَنْ الرَّجُلِ لَيْسَ إلَّا اخْتِلَافُ الْفِعْلِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَإِنَّهُ هُوَ الْمُسْتَقِلُّ بِذَلِكَ فَكَوْنُهُ يَسْتَلْزِمُ الشَّهَادَةَ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ بِنِصَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِحَدِّهِ عِنْدَهُمَا، وَلَا فَائِدَةَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي إيرَادِ هَذَا الْكَلَامِ، بَلْ الَّذِي يُفِيدُهُ اخْتِلَافُ الْفِعْلِ الْمَشْهُودِ بِهِ، فَاشْتِغَالُهُ بِزِيَادَةِ كَلَامٍ لَا أَثَرَ لَهُ، وَلَا يُفِيدُ فِي الْمَقْصُودِ فَائِدَةَ بَعِيدٍ، وَكَوْنُهُ عَلَى تَقْدِيرٍ آخَرَ مَشْهُودًا عَلَيْهَا مَعَهُ، وَالْفَرْضُ أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ وَهُوَ طَوَاعِيَتُهَا غَيْرُ ثَابِتٍ، فَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مَفْرُوضٌ فَرْضًا لَا فَائِدَةَ فِيهِ أَصْلًا، وَلِذَا حَمَلَ شَارِحُ لَفْظَةِ عَلَيْهِ عَلَى بِهِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي فَقَالَ: وَلَهُ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ اخْتَلَفَ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِهِمَا: أَيْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا الِاخْتِلَافُ نِصَابُ الشَّهَادَةِ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الزِّنَا فِعْلٌ وَاحِدٌ يَقُومُ بِهِمَا وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي جَانِبِهَا فَيَكُونُ مُخْتَلِفًا فِي جَانِبِهِ ضَرُورَةً يَعْنِي أَنَّ الزِّنَا بِطَائِعَةٍ غَيْرُ الزِّنَا بِمُكْرَهَةٍ وَشَهَادَتُهُمْ بِزِنًا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ وَالشَّاهِدَانِ بِزِنَاهُ بِطَائِعَةٍ يَنْفِيَانِ زِنَاهُ بِمُكْرَهَةٍ وَالْآخَرَانِ يَنْفِيَانِ زِنَاهُ بِطَائِعَةٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ عَلَى خُصُوصِ الزِّنَا الْمُتَحَقِّقِ فِي الْخَارِجِ شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَقُومُ بِهِمَا لَا يُرِيدُ قِيَامَ الْعَرْضِ بَعْدَ فَرْضِ أَنَّهُ وَاحِدٌ بِالشَّخْصِ بَلْ إنَّهُ يَتَحَقَّقُ قِيَامُهُ، أَيْ وُجُودُهُ بِهِمَا (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ) لَمَّا انْدَرَأَ الْحَدُّ عَنْهَا (صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا) بِالزِّنَا (فَصَارَا خَصْمَيْنِ لَهَا) وَلَا شَهَادَةَ لِلْخَصْمِ، وَكَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ يُحَدَّا حَدَّ الْقَذْفِ، لَكِنْ سَقَطَ بِشَهَادَةِ الْآخَرَيْنِ بِزِنَاهُ مُكْرَهَةً، فَإِنَّ الزِّنَا مُكْرَهًا يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَالْإِحْصَانُ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ، فَلَمَّا سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمَا فِي حَقِّهَا سَقَطَتْ فِي حَقِّهِ بِنَاءً عَلَى اتِّحَادِ الْفِعْلِ فَصَارَ عَلَى زِنَاهُ شَاهِدَانِ فَلَا يُحَدُّ، وَهَذَا الِاعْتِذَارُ فِي سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا ذَكَرَ فِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يَجِبْ حَدُّ الْقَذْفِ عَلَى الشُّهُودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ، وَذَلِكَ مُخْرِجٌ لِكَلَامِهِمْ عَنْ كَوْنِهِ قَذْفًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِي هَذِهِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّ شَاهِدَيْ الطَّوَاعِيَةِ صَارَا قَاذِفَيْنِ لَهَا لَكِنْ شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ أَسْقَطَاهُ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْنَا
(قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ إلَخْ) أَيْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا اثْنَانِ مِنْهُمْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْكُوفَةِ وَالْآخَرَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا بِالْبَصْرَةِ (دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِعْلُ الزِّنَا وَقَدْ اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ) لِأَنَّ الزِّنَا بِالْكُوفَةِ لَيْسَ هُوَ الزِّنَا بِالْبَصْرَةِ (وَلَمْ يَتِمَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ) وَهُوَ شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ (وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute