للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ رُجِمَ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ؛ فَالشَّافِعِيُّ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَهَادَتَهُنَّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ، وَزُفَرُ يَقُولُ إنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَغَلَّظُ عِنْدَهُ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ الزِّنَا لَا تُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَا. وَلَنَا أَنَّ الْإِحْصَانَ عِبَارَةٌ عَنْ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ، وَأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الزِّنَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ،

لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ مِنْ دُخُولٍ لَا عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لَيْسَ بِخِلَافٍ؛ لِأَنَّ بِفَرْضِ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لَا يَكُونُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةِ الْغَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ وَلَا مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا يَسْتَمِرُّ ظَاهِرًا مُوَلَّدًا عَلَى وَجْهِ الدِّيمَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ وَلَهُ امْرَأَةٌ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَشُهِدَ عَلَيْهِ إلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ أَنَّ الْإِحْصَانَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، إلَّا أَنَّ الْمَبْنِيَّ مُخْتَلِفٌ، فَعِنْدَهُمْ شَهَادَتُهُنَّ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ لَا تُقْبَلُ.

وَعِنْدَ زُفَرَ إنْ قُبِلَتْ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: الْإِحْصَانُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ، وَالشَّأْنُ إثْبَاتُ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ وَنَفْيِهِ لِأَنَّهُ الْمَدَارُ فَقَالَ: لِأَنَّ تَغْلِيظَ الْعُقُوبَةِ يَثْبُتُ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ الشَّرْطِ الْمَحْضِ (فَأَشْبَهَ حَقِيقَةَ الْعِلَّةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ وَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدَ ذِمِّيَّانِ عَلَى ذِمِّيٍّ زَنَى عَبْدُهُ الْمُسْلِمُ) وَهُوَ مُحْصَنٌ (أَنَّهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ زِنَاهُ لَا تُقْبَلُ) مَعَ أَنَّ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الذِّمِّيِّ بِالْعِتْقِ مَقْبُولَةٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ (لِمَا ذَكَرْنَا) مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ فَصَارَ كَشَهَادَتِهِمْ عَلَى زِنَاهُ إذْ كَانَ الْمَقْصُودُ تَكْمِيلُ الْعُقُوبَةِ، وَلَزِمَ مِنْ أَصْلِهِ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَضْمَنُونَ إذْ كَانَ عَلَامَةً مَحْضَةً (وَلَنَا) فِي نَفْيِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ (أَنَّ الْإِحْصَانَ) لَيْسَ إلَّا (عِبَارَةٌ عَنْ خِصَالٍ حَمِيدَةٍ) بَعْضُهَا غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ قُدْرَتِهِ كَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَقْلِ وَبَعْضُهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ كَالْإِسْلَامِ وَبَعْضُهَا مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ وَالدُّخُولِ فِيهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهَا سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ وَلَا سَبَبًا لِسَبَبِهِ فَإِنَّ سَبَبَهَا الْمَعْصِيَةُ.

وَالْإِحْصَانُ بِحَسَبِ الْوَضْعِ مَانِعٌ مِنْ سَبَبٍ لِلْعُقُوبَةِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِضِدِّ سَبَبِهَا وَهُوَ الطَّاعَةُ وَالشُّكْرُ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْحُكْمِ وَهُوَ مَانِعٌ لِسَبَبِهِ، فَالسَّبَبُ لَيْسَ إلَّا الزِّنَا إلَّا أَنَّهُ مُخْتَلِفُ الْحُكْمِ فَفِي حَالِ الْإِحْصَانِ حُكْمُهُ الرَّجْمُ وَفِي غَيْرِهِ الْجَلْدُ، فَكَانَ الْإِحْصَانُ السَّابِقُ عَلَى الزِّنَا مُعَرَّفًا لِخُصُوصِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالزِّنَا أَعْنِي خُصُوصَ الْعُقُوبَةِ، وَالْعَلَامَةُ الْمَحْضَةُ قَطُّ لَا يَكُونُ لَهَا تَأْثِيرٌ فَلَا تَكُونُ عِلَّةً وَلَا فِي مَعْنَاهَا فَكَيْفَ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا وَظَهَرَ أَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ الْإِحْصَانَ يَثْبُتُ مَعَهُ بِالزِّنَا عُقُوبَةٌ غَلِيظَةٌ، وَبِالشَّهَادَةِ يَظْهَرُ مَا ثَبَتَ بِالزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَلَمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>