بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّمَا لَا يَثْبُتُ سَبْقُ التَّارِيخِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُسْلِمُ (فَإِنْ رَجَعَ شُهُودُ الْإِحْصَانِ لَا يَضْمَنُونَ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَهُوَ فَرْعُ مَا تَقَدَّمَ.
لَمْ يَكُنْ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ وَلَا عِلَّةً جَازَ أَنْ يَدْخُلَ فِي إثْبَاتِهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ، كَمَا لَوْ شَهِدَتَا مَعَ الرَّجُلِ بِالنِّكَاحِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَالدُّخُولِ فِي غَرَضٍ آخَرَ كَتَكْمِيلِ الْمَهْرِ حَتَّى يَثْبُتَ إحْصَانُهُ، ثُمَّ اُتُّفِقَ أَنَّهُ شُهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا أَلَيْسَ أَنَّهُ يُرْجَمُ كَذَا إذَا شَهِدَتَا بَعْدَ ظُهُورِ الزِّنَا بِهِ، فَكَمَا يَثْبُتُ قَبْلَهُ لِعَدَمِ كَوْنِهِ سَبَبًا كَذَا بَعْدَهُ، وَصَارَ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِظُهُورِ دَيْنٍ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ فَشَهِدَ اثْنَانِ بِالدَّيْنِ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَلَا يُضَافُ الْعِتْقُ إلَى الشَّهَادَةِ بِالدَّيْنِ بَلْ إلَى الْمُعَلَّقِ، كَذَا هُنَا لَا يُضَافُ الرَّجْمُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالْإِحْصَانِ إلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ بَلْ إلَى الزِّنَا (بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الذِّمِّيَّيْنِ) عَلَى الذِّمِّيِّ بِشَهَادَتِهِمَا عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ (وَإِنَّمَا لَا يُعْتَقُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُهُ) الْعَبْدُ (الْمُسْلِمُ أَوْ يَتَضَرَّرُ بِهِ) فَلَا تَنْفُذُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَتَغَلَّظُ الْعُقُوبَةُ عَلَيْهِ فَتَصِيرُ مِائَةً بَعْدَ أَنْ كَانَتْ خَمْسِينَ.
وَاسْتُشْكِلَ كَوْنُهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ لِلْحَدِّ بِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالْإِحْصَانِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ صَحَّ رُجُوعُهُ كَالزِّنَا وَلِذَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْإِحْصَانِ حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى، فَيَجِبُ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الشَّهَادَةِ بِهِ الذُّكُورَةُ كَالتَّزْكِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ صِحَّةَ الرُّجُوعِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِ الْمُقَرِّ بِهِ عِلَّةً لِلْعُقُوبَةِ بَلْ عَلَى كَوْنِ الْمُقَرِّ بِهِ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ إذَا رَجَعَ عَنْهُ وَلَا مُكَذِّبَ لَهُ فِي سَبَبِ الْحَدِّ، بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُكَذِّبُهُ فِي رُجُوعِهِ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْحِسْبَةُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ إظْهَارِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَانِعُ مِنْ شَهَادَةِ النِّسَاءِ لَيْسَ هَذَا الْقَدْرَ بَلْ كَوْنُهُ سَبَبًا لِأَصْلِ الْعُقُوبَةِ، فَحِينَ ثَبَتَتْ الْعُقُوبَةُ بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ بِسَبَبِهَا كَانَ كَالشَّهَادَةِ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ تُسْمَعُ بِلَا دَعْوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ.
[فُرُوعٌ مِنْ الْمَبْسُوطِ] شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَ الْإِحْصَانَ، فَشَهِدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا صَحِيحًا وَدَخَلَ بِهَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ فَيُرْجَمُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَثْبُتُ فَلَا يُرْجَمُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا أَوْ أَتَاهَا فَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الدُّخُولَ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ وَيُرَادُ بِهِ الْخَلْوَةُ وَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالشَّكِّ.
وَلَهُمَا أَنَّ الدُّخُولَ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ عُرْفًا مُسْتَمِرًّا حَتَّى صَارَ يَتَبَادَرُ مَعَ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ وَالنِّسَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ فَلَا إجْمَالَ فِيهِ عُرْفًا فَكَانَتْ كَشَهَادَتِهِمْ عَلَى الْجِمَاعِ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى الزِّنَا بِفُلَانَةَ وَأَرْبَعَةٌ غَيْرُهُمْ شَهِدُوا بِهِ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى فَرُجِمَ فَرَجَعَ الْفَرِيقَانِ ضَمِنُوا دِيَتَهُ إجْمَاعًا، وَحُدُّوا لِلْقَذْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُحَدُّونَ لِأَنَّ رُجُوعَ كُلِّ فَرِيقٍ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَصَارَ فِي حَقِّ كُلِّ فَرِيقٍ كَأَنَّ الْفَرِيقَ الْآخَرَ ثَابِتٌ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَلَهُمَا أَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْتِزَامِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَقُولُ: إنَّهُ عَفِيفٌ قُتِلَ ظُلْمًا وَأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَأَقَرَّ مَرَّةً بَعْدُ حُدَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَقَعَتْ مُعْتَبَرَةً فَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِإِقْرَارٍ مُعْتَبَرٍ وَالْإِقْرَارُ مَرَّةً هُنَا كَالْعَدَمِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُحَدُّ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute