. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الَّتِي أَسْكَرَتْك. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، ضَعِيفٌ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ: يَعْنِي النَّخَعِيّ. وَأَسْنَدَ إلَى ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ هَذَا فَقَالَ: حَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَسُنَ عَارَضَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَرْفُوعَاتِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ فِي تَحْرِيمِ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، وَلَوْ عَارَضَهُ كَانَ الْمُحَرَّمُ مُقَدَّمًا. وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَالْمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ.
نَعَمْ هُوَ مِنْ طَرِيقٍ جَيِّدَةٍ هِيَ عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَنْ ابْنِ شَدَّادٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا وَالْمُسْكِرِ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. وَفِي لَفْظٍ: وَمَا أَسْكَرَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ. قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شُبْرُمَةَ فَهَذَا إنَّمَا فِيهِ تَحْرِيمُ الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ، وَإِذَا كَانَتْ طَرِيقُهُ أَقْوَى وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُعْتَبَرَ، وَلَفْظُ السُّكْرِ تَصْحِيفٌ، ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ تَرَجَّحَ الْمَنْعُ السَّابِقُ عَلَيْهِ، بَلْ هَذَا التَّرْجِيحُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ ثُبُوتَ الْحَدِّ بِالْقَلِيلِ إلَّا بِسَمَاعٍ أَوْ بِقِيَاسٍ فَهُمْ يَقِيسُونَهُ بِجَامِعِ كَوْنِهِ مُسْكِرًا، وَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ مَنْعٌ خُصُوصًا وَعُمُومًا. أَمَّا خُصُوصًا فَمَنَعُوا أَنَّ حُرْمَةَ الْخَمْرِ مُعَلَّلَةٌ بِالْإِسْكَارِ وَذَكَرُوا عَنْهُ ﵊ «حُرِّمَتْ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا وَالسُّكْرُ» إلَخْ. وَفِيهِ مَا عَلِمْت.
ثُمَّ قَوْلُهُ بِعَيْنِهَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ عَيْنُهَا، بَلْ إنَّ عَيْنَهَا حُرِّمَتْ، وَلِذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ «قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا» وَالرِّوَايَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِيهِ بِالْبَاءِ لَا بِاللَّامِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِمَا ذَكَرَ فِي الْأَشْرِبَةِ مِنْ نَفْيِ تَعْلِيلِهَا بِالْإِسْكَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا لِنَفْيِ أَنَّ حُرْمَتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِإِسْكَارِهَا: أَيْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْإِسْكَارَ لَمْ يَثْبُتْ تَحْرِيمٌ حَتَّى تَثْبُتَ الْعِلَّةُ وَهِيَ الْإِسْكَارُ أَوْ مَظِنَّتُهُ مِنْ الْكَثِيرِ، لَا أَنَّ حُرْمَتَهَا لَيْسَتْ مُعَلَّلَةً أَصْلًا بَلْ هِيَ مُعَلَّلَةٌ بِأَنَّهُ رَقِيقٌ مُلِذٌّ مُطْرِبٌ يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ وَإِنْ كَانَ الْقُدُورِيُّ مُصِرًّا عَلَى مَنْعِ التَّعْلِيلِ أَصْلًا. وَنَقَضَ ﵀ هَذِهِ الْعِلَّةَ بِأَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي يَضُرُّ كَثِيرُهُ لَا يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَإِنْ كَانَ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ، لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مَا يُفِيدُ مَا ذَكَرْنَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِ إلْحَاقِ الشَّافِعِيِّ حُرْمَةَ الْمُثَلَّثِ الْعِنَبِيِّ بِالْخَمْرِ.
وَإِنَّمَا يَحْرُمُ قَلِيلُهُ لِأَنَّهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ، وَالْمُثَلَّثُ لِغِلَظِهِ لَا يَدْعُو وَهُوَ فِي نَفْسِهِ غِذَاءٌ، وَلَا يَخْفَى بَعْدَ هَذَا أَنَّ اعْتِبَارَ دِعَايَةِ الْقَلِيلِ إلَى الْكَثِيرِ فِي الْحُرْمَةِ لَيْسَ إلَّا لِحُرْمَةِ السُّكْرِ. فَفِي التَّحْقِيقِ الْإِسْكَارُ هُوَ الْمُحَرَّمُ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ الْمَوْقِعُ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَإِتْيَانِ الْمَفَاسِدِ مِنْ الْقَتْلِ وَغَيْرِهِ. كَمَا أَشَارَ النَّصُّ إلَى عِلِّيَّتِهَا، وَلَكِنْ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِالْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَنْعِ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِذَنْ فَلَمْ يَثْبُتْ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ الشُّرْبِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ، وَلَكِنْ ثَبَتَ بِالسُّكْرِ مِنْهُ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِذَا سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ» الْحَدِيثَ. فَلَوْ ثَبَتَ بِهِ حِلُّ مَا لَمْ يُسْكِرْ لَكَانَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُنْتَفٍ عِنْدَهُمْ فَمُوجِبُهُ لَيْسَ إلَّا ثُبُوتُ الْحَدِّ بِالسُّكْرِ، ثُمَّ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى السُّكْرِ مِنْ غَيْرِ الْخَمْرِ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ الْخَمْرِ يَنْفِي فَائِدَةَ التَّقْيِيدِ بِالسُّكْرِ. لِأَنَّ فِي الْخَمْرِ يُحَدُّ بِالْقَلِيلِ مِنْهَا بَلْ يُوهِمُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ مِنْهَا حَتَّى يُسْكِرَ، وَإِذَا وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِهَا صَارَ الْحَدُّ مُنْتَفِيًا عِنْدَ عَدَمِ السُّكْرِ بِهِ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُخْرِجُهُ عَنْهُ.
وَمِنْهَا مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا شَرِبَ مِنْ إدَاوَةِ عُمَرَ نَبِيذًا فَسَكِرَ بِهِ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: إنَّمَا شَرِبْته مِنْ إدَاوَتِك، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّمَا جَلَدْنَاك عَلَى السُّكْرِ. وَهُوَ ضَعِيفٌ بِسَعِيدِ بْنِ ذِي لَعْوَةَ ضُعِّفَ وَفِيهِ جَهَالَةٌ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ مُخَارِقٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَايَرَ رَجُلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute