وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ ظُهُورَ أَثَرِهِ فِي مِشْيَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ وَهَذَا مِمَّا يَتَفَاوَتُ فَلَا مَعْنَى لِاعْتِبَارِهِ.
(وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) لِزِيَادَةِ احْتِمَالِ الْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ
بِأَنَّهُ سَكْرَانُ بِمِقْدَارٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْحَالِ حُكِمَ بِأَنَّهُ سَكْرَانُ بِلَا شُبْهَةِ صَحْوٍ، وَمَا مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ التَّمْيِيزِ لَمْ يُجْعَلْ شُبْهَةً فِي أَنَّهُ سَكْرَانُ، وَإِذَا كَانَ سَكْرَانَ بِلَا شُبْهَةِ حَدٍّ فَالْمُعْتَبَرُ ثُبُوتُ الشُّبْهَةِ فِي سُكْرِهِ فِي نَفْيِ الْحَدِّ لَا ثُبُوتُ شُبْهَةِ صَحْوِهِ.
وَعُرِفَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ مَنْ اسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ ﵁ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ السُّكْرَ هُوَ أَنْ لَا يَعْقِلَ مَنْطِقًا إلَخْ غَرِيقٌ فِي الْخَطَأِ لِأَنَّهَا فِي عَلِيٍّ وَأَصْحَابِهِ وَلَمْ يَصِلْ سُكْرُهُمْ إلَى ذَلِكَ الْحَدِّ كَمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا الْوُجُوبَ وَقَامُوا لِلْإِسْقَاطِ وَجَعَلَهُمْ سُكَارَى فَهِيَ تُفِيدُ ضِدَّ قَوْلِهِ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿حَتَّى تَعْلَمُوا﴾ الْآيَةَ فَإِنَّمَا أَطْلَقَ لَهُمْ الصَّلَاةَ حَتَّى يَصْحُوا كُلَّ الصَّحْوِ بِأَنْ يَعْلَمُوا جَمِيعَ مَا يَقُولُونَ خَشْيَةَ أَنْ يُبَدِّلُوا بَعْضَ مَا يَقُولُونَ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ مِنْ مَرَاتِبِ السُّكْرِ كَذَا وَكَذَا، بَلْ أَنَّ مَنْ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْحَدِّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ سُمِّيَ سَكْرَانَ، وَكَوْنُ الْمِقْدَارِ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْحَدِّ مَا هُوَ لَا تَعَرُّضَ لَهُ بِوَجْهٍ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ ظُهُورَ أَثَرِهِ فِي مِشْيَتِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَأَطْرَافِهِ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْإِجْمَاعِ فِي قَوْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْقَدْحِ الْمُسْكِرُ مَا قَالَاهُ بِالْإِجْمَاعِ الْإِجْمَاعُ الْمَذْهَبِيُّ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ يُخَالِفُ قَوْلَهُمَا. وَاعْتَرَضَهُ شَارِحٌ بِأَنَّهُ قَلَّدَ فِيهِ فَخْرَ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُوجِبُ الْحَدَّ فِي شُرْبِ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ جِنْسُهُ وَإِنْ قَلَّ، وَلَا يُعْتَبَرُ السُّكْرُ أَصْلًا.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ نَقْلِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي تَحْدِيدِ السُّكْرِ مَا هُوَ اعْتِقَادُ النَّاقِلِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَحُدُّ بِالسُّكْرِ، بَلْ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ يَحُدُّ بِالسُّكْرِ عِنْدَنَا حَدَّ السُّكْرِ مُطْلَقًا عَنْهُمَا وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَمُفَصَّلًا عَنْ الْإِمَامِ: أَيْ هُوَ بِاعْتِبَارِ اقْتِضَائِهِ الْحَدَّ هُوَ أَقْصَاهُ، وَبِاعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الْحُرْمَةِ هُوَ مَا ذَكَرْتُمْ. وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَنْ فَسَّرَ السُّكْرَ يَحُدُّ بِلَا سُكْرٍ، وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ كَأَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ لَيَشْرَبَنَّ حَتَّى يَسْكَرَ فَيَحُدُّهُ لِيَعْلَمَ مَتَى يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، ثُمَّ أَبْطَلَهُ بِأَنَّ هَذَا يَتَفَاوَتُ: أَيْ لَا يَنْضَبِطُ فَكَمْ مِنْ صَاحٍ يَتَمَايَلُ وَيَزْلِقُ فِي مِشْيَتِهِ وَسَكْرَانُ ثَابِتٌ وَمَا لَا يَنْضَبِطُ لَا يُضْبَطُ بِهِ، وَلِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي كَلَامِ عَلِيٍّ ﵁ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ اعْتِبَارٌ بِالْأَقْوَالِ لَا بِالْمَشْيِ حَيْثُ قَالَ إذَا سَكِرَ هَذَى إلَخْ
(قَوْلُهُ وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ، إلَّا أَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَسْرُوقَ، وَقَيَّدَ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا فِي حَالِ سُكْرِهِ وَبِالسَّرِقَةِ يُحَدُّ بَعْدَ الصَّحْوِ وَيُقْطَعُ، وَإِنَّمَا لَا يُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ السَّكْرَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ، وَذَلِكَ الْإِقْرَارُ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَالْأَقْوَالِ الَّتِي يَقُولُهَا. فَهُوَ مَحْكُومٌ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بَعْدَ سَاعَةٍ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ. هَذَا مَعَ زِيَادَةِ شُبْهَةٍ أَنَّهُ يَكْذِبُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute