فَيَحْتَالُ لِدَرْئِهِ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ وَالسَّكْرَانُ فِيهِ كَالصَّاحِي عُقُوبَةً عَلَيْهِ كَمَا فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعَ السُّكْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
نَفْسِهِ مُجُونًا وَتَهَتُّكًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى السُّكْرِ الْمُتَّصِفِ هُوَ بِهِ فَيَنْدَرِئُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَا لَا يَقْبَلُ الرُّجُوعَ فَإِنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِهِ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يُجْعَلَ رَاجِعًا عَنْهُ لَكِنَّ رُجُوعَهُ عَنْهُ لَا يُقْبَلُ. هَذَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ فِي السُّكْرِ الَّذِي لَا يَصِحُّ مَعَهُ الْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُمَا فَيَتَّفِقُونَ فِيهِ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي التَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ أَدْرَأُ لِلْحُدُودِ مِنْهُ لَوْ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ فِيهِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ الْعَبْدِ (وَالسَّكْرَانُ كَالصَّاحِي) فِيمَا فِيهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ (عُقُوبَةً عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْآفَةَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانُ حُبِسَ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُحَدَّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يُحْبَسَ حَتَّى يَخِفَّ عَنْهُ الضَّرْبُ فَيُحَدَّ لِلسُّكْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ سَكْرَانُ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ بِالسُّكْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُبَاحَةِ، وَإِلَّا فَبِمُجَرَّدِ سُكْرِهِ لَا يُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ: بِالسُّكْرِ، وَكَذَا يُؤَاخَذُ بِالْإِقْرَارِ بِسَبَبِ الْقِصَاصِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ مِنْ الْمَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الرُّجُوعَ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ السَّكْرَانُ لَا تَبِينُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادِ) أَوْ الِاسْتِخْفَافِ، وَبِاعْتِبَارِ الِاسْتِخْفَافِ حُكِمَ بِكُفْرِ الْهَازِلِ مَعَ عَدَمِ اعْتِقَادِهِ لِمَا يَقُولُ، وَلَا اعْتِقَادَ لِلسَّكْرَانِ وَلَا اسْتِخْفَافَ لِأَنَّهُمَا فَرْعُ قِيَامِ الْإِدْرَاكِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّكْرَانَ الَّذِي لَا تَبِينُ امْرَأَتُهُ هُوَ الَّذِي لَا يَعْقِلُ مَنْطِقًا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَدِّهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَقَوْلِهِمَا، وَلِذَا لَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِ السَّكْرَانِ بِتَكَلُّمِهِ مَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يُفَسِّرَا السَّكْرَانَ بِغَيْرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا، فَوَجْهُهُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ إنَّمَا اعْتَبَرَ عَدَمَ الْإِدْرَاكِ فِي السَّكْرَانِ احْتِيَاطًا لِدَرْءِ الْحَدِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْتَاطَ فِي عَدَمِ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ حَتَّى قَالُوا: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ كَثِيرَةٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَيْهِ وَيَبْنِي عَلَيْهِ، فَلَوْ اعْتَبَرَ فِي اعْتِبَارِ عَدَمِ رِدَّتِهِ بِالتَّكَلُّمِ بِمَا هُوَ كُفْرٌ أَقْصَى السُّكْرِ كَانَ احْتِيَاطًا لِتَكْفِيرِهِ لِأَنَّهُ يَكْفُرُ فِي جَمِيعِ مَا قَبْلَ تِلْكَ الْحَالَةِ هَذَا فِي حَقِّ الْحُكْمِ.
أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ فِي الْوَاقِعِ قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ ذَاكِرًا لِمَعْنَاهُ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الِاعْتِبَارُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ فَإِنَّ الشَّارِعَ اعْتَبَرَ دَرْكَهُ قَائِمًا حَتَّى خَاطَبَهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى ﴿لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ يَتَضَمَّنُ خِطَابَ السُّكَارَى، لِأَنَّهُ فِي حَالِ سُكْرِهِ مُخَاطَبٌ بِأَنْ لَا يَقْرَبَهَا كَذَلِكَ وَإِلَّا لَجَازَ لَهُ قُرْبَانُهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا يَقُولُ لِعَدَمِ الْخِطَابِ عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ هَذَا الْخِطَابُ فَائِدَةً أَصْلًا فَهُوَ خِطَابٌ لِلصَّاحِي أَنْ لَا يَقْرَبَهَا إذَا سَكِرَ. فَالِامْتِثَالُ مَطْلُوبٌ مِنْهُ حَالَ السُّكْرِ سَوَاءٌ كَانَ يَعْقِلُ دَرْكَ شَيْءٍ مَا أَوْ لَا كَالنَّائِمِ وَهُوَ مَعْنَى كَوْنِهِ مُخَاطَبًا حَالَ السُّكْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَحَقُّقَ الْخِطَابِ عَلَيْهِ وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute