للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَخَرَّجَ الْأَحْكَامَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

قَالَ (وَمَنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ) لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ حَقًّا فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ، بِخِلَافِ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ.

(وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْأَخْلَاقِ أَوْ عَدَمِ الْفَصَاحَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لِمَا قُلْنَا.

إلَى أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَخَرَّجَ الْأَحْكَامَ) الْمُخْتَلَفَ فِيهَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، أَمَّا تَوْجِيهُ أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ غَالِبٌ فَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ تُبْنَى عَلَيْهِ وَالْمَعْقُولُ يَشْهَدُ لَهُ، وَهُوَ أَنَّ الْعَبْدَ يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ. وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقُّ الْعَبْدِ كَالْقِصَاصِ. وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْأَحْكَامِ فَإِنَّمَا فُوِّضَ إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يَهْتَدِي إلَى الضَّرْبِ الْوَاجِبِ أَوْ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَزِيدُ الْمَقْذُوفَ فِي قُوَّتِهِ لِحَنَقِهِ فَيَقَعُ مُتْلِفًا؛ وَإِنَّمَا لَا يُورَثُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقٍّ لَيْسَ مَالًا وَلَا بِمَنْزِلَتِهِ فَهُوَ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَحَقُّ الشُّفْعَةِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا. وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ عَفْوُهُ لِأَنَّهُ عَفْوٌ عَمَّا هُوَ مُوَلًّى عَلَيْهِ فِيهِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ، وَلِأَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ فِي الْعَفْوِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْعَارِ وَالرِّضَا بِالْعَارِ عَارٌ، وَهَذَا كَمَا تَرَى تَخْرِيجٌ لِبَعْضِ الْفُرُوعِ الْمُخْتَلِفَةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي تَخْرِيجِهِ عَدَمُ صِحَّةِ الْعَفْوِ، إذْ لَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الْمَقْذُوفِ يَنْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْخُصُوصِ مَمْنُوعٌ، بَلْ فِيهِ صِيَانَةُ أَعْرَاضِ النَّاسِ عَنْ خُصُوصِ الْقَاذِفِ، وَصِيَانَةُ أَعْرَاضِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى الْعُمُومِ.

وَأَنَّ الْعَفْوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِالْعَارِ بَلْ قَدْ لَا يَرْضَى الْإِنْسَانُ بِمَا يَكْرَهُهُ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ، وَكَوْنُهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ لِلتُّهْمَةِ بِسَبَبِ حَنَقِهِ فَلَا يَنْفِي أَنْ يَعْفُوَ فَلَا يَعْقِلُ ذَلِكَ أَصْلًا، وَمَا ذَكَرْنَا فِي تَرْجِيحِ تَغْلِيبِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْجَهُ مِمَّا فِي الْخَبَّازِيَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ وَقَعَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ حَقُّ النَّاسِ فَقَدْ وَقَعَ فِي آخَرَ أَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ لِأَنَّ لِلْمَقْذُوفِ فِيهِ حَقًّا فَيُكَذِّبُهُ فِي الرُّجُوعِ بِخِلَافِ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا مُكَذِّبَ لَهُ فِيهِ) فَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ، وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِأَنَّهُ بِالْإِقْرَارِ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِالْغَيْرِ وَبِالرُّجُوعِ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ حَقَّ الْغَيْرِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَثْبَتَ حَقَّ الْغَيْرِ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَهُ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَيُشْكِلُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ فِي الْإِقْرَارِ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَوْنُهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ لَا أَثَرَ لَهُ، بَلْ الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمَّا أَلْحَقَ الشَّيْنَ ثَبَتَ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يُقْبَلُ إبْطَالُهُ، فَإِلْحَاقُ الشَّيْنِ تَأْثِيرُهُ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الْآدَمِيِّ لَيْسَ غَيْرُ، ثُمَّ امْتِنَاعُ الرُّجُوعِ لَيْسَ إلَّا لِتَضَمُّنِهِ إبْطَالَ حَقِّ الْغَيْرِ

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ) أَوْ قَالَ لَسْت بِعَرَبِيٍّ (لَا يُحَدُّ) وَكَذَا إذَا قَالَ لَسْت مِنْ بَنِي فُلَانٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>