(وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ) لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي الْجُودِ وَالسَّمَاحَةِ وَالصَّفَاءِ، لِأَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ (وَإِنْ نَسَبَهُ إلَى عَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ إلَى زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَذْفٍ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا، أَمَّا الْأَوَّلُ
وَقَالَ مَالِكٌ: يُحَدُّ إذَا نَوَى الشَّتْمَ، وَعَنْهُ إذَا قَالَ يَا رُومِيُّ لِعَرَبِيٍّ أَوْ فَارِسِيٍّ أَوْ يَا فَارِسِيُّ لِرُومِيٍّ أَوْ عَرَبِيٍّ أَوْ يَا ابْنَ الْخَيَّاطِ وَلَيْسَ فِي آبَائِهِ خَيَّاطٌ يُحَدُّ. قُلْنَا: الْعُرْفُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يُرَادَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ فِي الْأَخْلَاقِ أَوْ عَدَمِ الْفَصَاحَةِ، وَأَمَّا قَذْفُ أُمِّهِ أَوْ جَدَّةٍ مِنْ جَدَّاتِهِ لِأَبِيهِ فَلَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ فَلِذَا أَطْلَقُوا نَفْيَ الْحَدِّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَوْنِهِ حَالَةَ الْغَضَبِ أَوْ الرِّضَا، وَهَذَا لِأَنَّ النِّسْبَةَ إلَى الْأَخْلَاقِ الدَّنِيَّةِ مِمَّا يُشْتَمُّ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يُتَعَارَفْ مِثْلُهُ فِي الْقَذْفِ أَصْلًا يُجْعَلُ فِي الْغَضَبِ شَتْمًا بِهَذَا الْقَدْرِ، وَلِأَنَّ النَّبَطِيَّ قَدْ يُرَادُ بِهِ النِّسْبَةُ إلَى الْمَكَانِ عَلَى مَا قَالَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ: النَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ يَا رُسْتَاقِيُّ يَا رِيفِيُّ فِي عُرْفِنَا: أَيْ يَا قَرَوِيُّ لَا يُحَدُّ بِهِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ النَّبَطِيُّ رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا ابْنَ مَاءِ السَّمَاءِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ) وَكَذَا إذَا قَالَ يَا ابْنَ مُزَيْقِيَاءَ وَيَا ابْنَ جَلَا لِأَنَّ النَّاسَ يَذْكُرُونَ هَذِهِ لِقَصْدِ الْمَدْحِ، فَمَاءُ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ عَامِرُ بْنُ حَارِثَةَ الْغِطْرِيفُ الْأَزْدِيُّ لِأَنَّهُ وَقْتَ الْقَحْطِ كَانَ يُقِيمُ مَالَهُ مَقَامَ الْقَطْرِ فَهُوَ كَمَاءِ السَّمَاءِ عَطَاءً وُجُودًا. وَمُزَيْقِيَاءُ لُقِّبَ بِهِ ابْنُهُ عَمْرُو لِأَنَّهُ كَانَ يُمَزِّقُ كُلَّ يَوْمٍ حُلَّتَيْنِ يَلْبَسُهُمَا فَيَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى لُبْسِهِمَا وَيَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَهُمَا غَيْرُهُ وَهُوَ مِنْ مُلُوكِ غَسَّانَ، وَعَلَى هَذَا فَالْأَنْسَبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الْقَائِلِ يَا ابْنَ مُزَيْقِيَاءَ لِلذَّمِّ بِالسَّرَفِ وَالْإِعْجَابِ، لَكِنَّ عُرْفَ الْعَامَّةِ فِي مِثْلِهِ أَنَّهُ جُودُهُ، وَقَدْ لُقِّبَ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَيْضًا لِلْحُسْنِ وَالصَّفَاءِ وَبِهِ لُقِّبَتْ أُمُّ ابْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ لِذَلِكَ، وَقِيلَ لِوَلَدِهَا بَنُو مَاءِ السَّمَاءِ قَالَ زُهَيْرٌ:
وَلَازَمَتْ الْمُلُوكَ مِنْ آلِ نَصْرٍ … وَبَعْدَهُمْ بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ
وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ: لِأَنَّ مَاءَ السَّمَاءِ لُقِّبَ بِهِ لِصَفَائِهِ وَسَخَائِهِ، وَأَمَّا جَلَا فَقَدْ اُسْتُعْمِلَ مُرَادًا بِهِ إنْسَانٌ فِي قَوْلِ سُحَيْمٍ:
أَنَا ابْنُ جَلَا وَطَلَّاعُ الثَّنَايَا … مَتَى أَضَعُ الْعِمَامَةَ تَعْرِفُونِي
وَكَلَامُ سِيبَوَيْهِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَمًا لَهُ بَلْ وَصْفٌ حَيْثُ قَالَ جَلَا هُنَا فِعْلُ مَاضٍ كَأَنَّهُ قَالَ أَنَا ابْنُ الَّذِي جَلَا: أَيْ أَوْضَحَ وَكَشَفَ.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَلَّاخِ:
أَنَا الْقَلَّاخُ بْنُ جُنَابِ بْنِ جَلَا
فَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ عَلَمًا لَقَبًا وَكَوْنُهُ وَصْفًا أَيْضًا، ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ فِي كَشْفِ الشَّدَائِدِ وَإِمَاطَةِ الْمَكَارِهِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ اسْمُهُ مَاءُ السَّمَاءِ: يَعْنِي وَهُوَ مَعْرُوفٌ يُحَدُّ فِي حَالِ السِّبَابِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ قَدْ سُمِّيَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لِلسَّخَاءِ وَالصَّفَاءِ فَيَنْبَغِي فِي حَالَةِ الْغَضَبِ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّفْيِ، لَكِنَّ جَوَابَ الْمَسْأَلَةِ مُطْلَقٌ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لِمَا لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ لِذَلِكَ الْقَصْدِ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ التَّهَكُّمُ بِهِ عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ لَسْت بِعَرَبِيٍّ لَمَّا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي النَّفْيِ يُحْمَلُ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ عَلَى سَبِّهِ بِنَفْيِ الشَّجَاعَةِ وَالسَّخَاءِ عَنْهُ لَيْسَ غَيْرُ (قَوْلُهُ وَإِنْ نَسَبَهُ لِعَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ فَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى أَبًا فَالْأَوَّلُ) وَهُوَ تَسْمِيَةُ الْعَمِّ أَبًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute