أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ لِتَكُونَ ثَابِتَةً مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ (وَبَيَانُهُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ (وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً زَنَتْ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا) لِتَحَقُّقِ الزِّنَا مِنْهَا شَرْعًا لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ.
(وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا أَتَى أَمَتَهُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ أَوْ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ مُكَاتَبَةٌ لَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ وَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ الْعُقْرُ بِالْوَطْءِ، وَنَحْنُ نَقُولُ مِلْكُ الذَّاتِ بَاقٍ وَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ إذْ هِيَ مُؤَقَّتَةٌ.
لِلْإِحْصَانِ.
وَقَوْلُهُ (أَوْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ) مِثَالُهُ حُرْمَةُ وَطْءِ الْمَنْكُوحَةِ لِلْأَبِ بِلَا شُهُودٍ عَلَى الِابْنِ بِنَاءً عَلَى ادِّعَاءِ شُهْرَةِ حَدِيثِ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِشُهُودٍ» وَلِذَا لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ. وَحُرْمَةُ وَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ خَالَتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ أَوْ عَمَّتُهُ لِقَوْلِهِ ﵊ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ».
(قَوْلُهُ بَيَانُهُ) شُرُوعٌ فِي تَفْرِيعِ فُرُوعٍ أُخْرَى عَلَى الْأَصْلِ (إذَا قَذَفَ رَجُلًا وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِانْعِدَامِ الْمِلْكِ مِنْ وَجْهٍ) فَالْقَاذِفُ صَادِقٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ الْمُقَارِنَةِ لِثُبُوتِ الْمُوجِبِ. بِخِلَافِ رُجُوعِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الرُّجُوعُ يُوجِبُ شُبْهَةً فِي الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ لَا يُعْمَلُ هَاهُنَا فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُقَارِنْهُ بَلْ وَقَعَ مُتَأَخِّرًا. وَالْفَرْضُ أَنَّ بِالْإِقْرَارِ تَقَرَّرَ حَقُّ آدَمِيٍّ لَمْ تَعْمَلُ الشُّبْهَةُ اللَّاحِقَةُ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ اللَّاحِقَةَ بَعْدَ تَقَرُّرِ حَقِّ الْآدَمِيِّ لَا تَرْفَعُهُ. فَلِهَذَا لَمْ يُعْتَبَرْ الرُّجُوعُ عَامِلًا فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا قَذَفَ امْرَأَةً زَنَتْ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا) أَوْ رَجُلًا زَنَا فِي نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ، وَالْمُرَادُ قَذْفُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِزِنًا كَانَ فِي نَصْرَانِيَّتِهَا بِأَنْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ كَافِرَةٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَقٍ زَنَى وَهُوَ عَبْدٌ زَنَيْتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ لَا يُحَدُّ، كَمَا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك بِالزِّنَا وَأَنْتِ كِتَابِيَّةٌ أَوْ أَمَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَذَفَهَا فِي حَالٍ لَوْ عَلِمْنَا مِنْهُ صَرِيحَ الْقَذْفِ لَمْ يَلْزَمْ حَدُّهُ، لِأَنَّ الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْكَافِرِ وَلِذَا يُقَامُ الْجَلْدُ عَلَيْهِ حَدًّا، بِخِلَافِ الرَّجْمِ عَلَى مَا مَرَّ، وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْعَبْدُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ بِحَيْثُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ لَا، حَتَّى إنَّ الْكَافِرَ الْحَرْبِيَّ إذَا زَنَى فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَقَذَفَهُ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ الزِّنَا تَحَقَّقَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَكُونُ قَاذِفُهُ صَادِقًا.
وَإِنَّمَا ارْتَفَعَ بِالْإِسْلَامِ الْإِثْمُ دُونَ حَقِيقَةِ الزِّنَا
(وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا أَتَى أَمَتَهُ وَهِيَ مَجُوسِيَّةٌ) أَوْ مُزَوَّجَةٌ أَوْ الْمُشْتَرَاةُ شِرَاءً فَاسِدًا (أَوْ أَمَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ) أَوْ مُظَاهِرٌ مِنْهَا أَوْ صَائِمَةٌ صَوْمَ فَرْضٍ وَهُوَ عَالِمٌ بِصَوْمِهَا (أَوْ مُكَاتَبَتَهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ الْفَاسِدَ يُوجِبُ الْمِلْكَ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يَثْبُتُ فِيهِ مِلْكٌ فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ بِالْوَطْءِ فِيهِ فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ (لِأَنَّ الْحُرْمَةَ) فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ التَّقَادِيرِ (مُؤَقَّتَةٌ) مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ فَكَانَتْ فِيهَا لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ زِنًا، لِأَنَّ الزِّنَا مَا كَانَ بِلَا مِلْكٍ قَالَ تَعَالَى ﴿إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ وَطْءَ الْمُكَاتَبَةِ يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، لِأَنَّ الْمِلْكَ زَائِلٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ وَلِهَذَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْعُقْرُ) لَهَا، وَلَوْ بَقِيَ الْمِلْكُ شَرْعًا مِنْ وَجْهٍ لِمَا لَزِمَهُ وَإِنْ حَرُمَ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْحَائِضِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنْ قُلْتُمْ إنَّ مِلْكَ الذَّاتِ انْتَفَى مِنْ وَجْهٍ كَالْمُشْتَرَكَةِ فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ عَنَيْتُمْ أَنَّ مِلْكَ الْوَطْءِ انْتَفَى سَلَّمْنَاهُ وَلَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْحَدِّ كَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ فَثَبَتَ أَنَّ الْحُرْمَةَ لِغَيْرِهِ إذْ هِيَ مُؤَقَّتَةٌ، وَوُجُوبُ الْعُقْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْإِحْصَانِ كَالرَّاهِنِ إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ وَهِيَ بِكْرٌ يَلْزَمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute