للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ؛ لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا فَالْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٌ لِعَيْنِهِ وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ، وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ الْمُؤَبَّدَةُ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ

قَذَفَهُ بِذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ أَوْ أَبْهَمَ، أَمَّا إذَا قَذَفَهُ بِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ صِدْقُهُ فِيهِ فَيُحَدُّ، وَالْحُكْمُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَنْصُوصُ أَنَّ مَنْ قَذَفَ زَانِيًا لَا حَدَّ عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَذَفَ بِذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ أَوْ بِزِنًا آخَرَ أَوْ أَبْهَمَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي أَصْلِ الْمَبْسُوطِ خِلَافًا لِإِبْرَاهِيمَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى.

وَجْهُ قَوْلِنَا أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا أَوْجَبَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ وَفِي مَعْنَاهُ الْمُحْصَنِينَ وَبِالزِّنَا لَا يَبْقَى الْإِحْصَانُ فَرَمْيُهُ رَمْيُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ، نَعَمْ هُوَ مُحَرَّمٌ وَأَذًى بَعْدَ التَّوْبَةِ فَيُعَزَّرُ (وَالْأَصْلُ) فِيمَا يُعْرَفُ بِهِ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ الَّذِي يُسْقِطُ الْإِحْصَانَ وَالْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ الَّذِي لَا يُسْقِطُهُ (أَنَّ مَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا لِعَيْنِهِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ) عَلَى قَاذِفِهِ (لِأَنَّ الزِّنَا هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَيْنِهِ) فَإِذَا وَقَعَ فِيهِ كَانَ زَانِيًا فَيُصَدَّقُ قَاذِفُهُ فَلَا يَكُونُ فِرْيَةً وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ (وَإِنْ كَانَ) وَطِئَ وَطْئًا (مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ يُحَدُّ) قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لَيْسَ بِزِنًا إذَا عُرِفَ هَذَا فَالْمُحَرَّمُ (لِعَيْنِهِ) هُوَ الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَوَطْءِ الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمُكْرَهَةِ.

وَأَعْنِي أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ إذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً يَسْقُطُ إحْصَانُهَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا. فَإِنَّ الْإِكْرَاهَ يُسْقِطُ الْإِثْمَ. وَلَا يَخْرُجُ الْفِعْلُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا فَلِذَا يَسْقُطُ إحْصَانُهَا كَمَا يَسْقُطُ إحْصَانُ الْمُكْرَهِ الْوَاطِئِ ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَأَمَةِ غَيْرِهِ (أَوْ مِنْ وَجْهٍ) كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ. وَكَذَا الْوَطْءُ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرْمَةُ مُؤَبَّدَةٌ كَوَطْءِ أَمَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً كَالْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَوَطْءِ أَمَتَيْهِ الْأُخْتَيْنِ أَوْ الزَّوْجَةِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ فَالْحُرْمَةُ لِغَيْرِهِ (وَأَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَرِطُ) فِي ثُبُوتِ حَدِّ الْقَاذِفِ لِلْوَاطِئِ فِي الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ (كَوْنَ تِلْكَ الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ ثَابِتَةً بِالْإِجْمَاعِ) كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا الِابْنُ أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ، وَكَذَا إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي عُقْدَةٍ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ وَطْئًا بِمِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا أَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً عَلَى حُرَّةٍ أَوْ جَمَعَهُمَا فِي الْعَقْدِ فَوَطِئَ الْأَمَةَ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَظَرَ إلَى دَاخِلِ فَرْجِ امْرَأَةٍ أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ بِحَيْثُ انْتَشَرَ مَعَهُ ذَكَرُهُ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا أَوْ أُمَّهَا أَوْ اشْتَرَاهَا فَوَطِئَهَا حُدَّ قَاذِفُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، وَلَا يُحَدُّ عِنْدَهُمَا لِتَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَلَا اعْتِبَارَ لِلِاخْتِلَافِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَزْنِيَّةَ أَبِيهِ فَوَطِئَهَا فَيَسْقُطُ إحْصَانُهُ، وَحُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا يَعْتَبِرُ الْخِلَافَ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ عَلَى الْحُرْمَةِ بِأَنْ ثَبَتَتْ بِقِيَاسٍ أَوْ احْتِيَاطٍ كَثُبُوتِهَا بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِشَهْوَةٍ، لِأَنَّ ثُبُوتَهَا لِإِقَامَةِ السَّبَبِ مُقَامَ الْمُسَبِّبِ احْتِيَاطًا فَهِيَ حُرْمَةٌ ضَعِيفَةٌ لَا يَنْتَفِي بِهَا الْإِحْصَانُ الثَّابِتُ بِيَقِينٍ، بِخِلَافِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِزِنَا الْأَبِ فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ فَلَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِيهَا مَعَ وُجُودِ النَّصِّ، وَكَذَا وَطِئَ الْأَبُ جَارِيَةَ ابْنِهِ مُسْقِطٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>